بقلم: أحمد خالد
في زحمة الحياة وتداخل العلاقات الاجتماعية، يبدو لنا أن الصداقة والأخوة هي روابط أبدية لا تنفصم، وأن الصحبة التي نتقاسم معها لحظات الفرح والحزن ستدوم إلى الأبد. غير أن القرآن الكريم، بكلماته العميقة ودلالاته الحكيمة، يكشف لنا عن حقيقة مختلفة حين يقول الله تعالى:
“الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين” (الزخرف: 67).
هذه الآية الكريمة تنقل لنا مشهدًا رهيبًا من مشاهد يوم القيامة، حيث تتبدد كل العلاقات التي بنيت على المصالح الدنيوية، وتتحول الصداقات المبنية على الهوى واللذات العابرة إلى عداوة وبغضاء.
لماذا يتحول الأخلاء إلى أعداء؟
الخلّة في الدنيا قد تكون قائمة على المصالح، أو التسلية، أو اللهو، أو حتى التشجيع على المعاصي والابتعاد عن طريق الحق. وفي يوم القيامة، عندما يقف الناس أمام ربهم للحساب، يدرك الجميع حجم الخديعة التي عاشوها، وكيف كانت تلك الصحبة سببًا في الابتعاد عن طريق الله. فيلوم كل طرف الآخر، ويصبحون أعداءً يتبرأون من بعضهم البعض.
الاستثناء الوحيد: المتقون
لكن الاستثناء الوحيد الذي ذكره القرآن في هذه الآية هم “المتقون”. فالصداقة التي تأسست على التقوى، والإخلاص لله، والنصيحة بالحق، والدعوة إلى الخير، تبقى وتستمر. بل إن هذه الصحبة تكون سببًا في شفاعة بعضهم لبعض، وفي دخولهم الجنة معًا.
صفات الأخلاء المتقين
الإخلاص في النية والعمل.
التعاون على البر والتقوى.
النصح والتوجيه للطاعة والبعد عن المعصية.
الصبر على المحن والابتلاءات.
الدعاء لبعضهم البعض في الدنيا والآخرة.
رسالة للأجيال
في زمنٍ طغت فيه الماديات، وتراجعت القيم، وتعددت أنواع الصحبة القائمة على التسلية واللهو، علينا أن نتأمل في هذه الآية العظيمة، ونسأل أنفسنا:
هل أصدقاؤنا سيقودوننا إلى الجنة، أم سيكونون سببًا في هلاكنا؟
فلنبحث عن الصحبة الصالحة، ولنكن من الذين يجتمعون في الدنيا على حب الله وطاعته، حتى يظل هذا الرابط ممتدًا في الآخرة، حيث يقال لنا:
> “الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين.”
ختامًا
فلنعمل جاهدين على بناء علاقات تقوم على الإيمان والتقوى، فهي التي تبقى وتدوم، وتكون سببًا في النجاة من أهوال يوم القيامة.
