القاهرية
العالم بين يديك

المتمردة: الجزء الخامس عشر – غبار المسافة

6

 

بقلم د _ عيد علي

 

كانت الأيام تمر ببطء شديد بعد رحيلها. كل ركن في مملكتنا الصغيرة كان يذكرني بها، بكل لحظة قضيناها معًا. لكنها الآن بعيدة، وأنا أواجه وحدي الفجوة التي خلفها غيابها.

 

كنت أحاول الانشغال بالأمور اليومية، أضع خططًا للمستقبل، لكن الفراغ كان يبتلع كل محاولاتي. شعرت وكأن المملكة نفسها أصبحت أضعف، كما لو أن قوتها كانت تعتمد على وجودها.

 

وفي ليلة هادئة، بينما كنت أقلب الرسائل القديمة، لفت نظري شيء غريب. إحدى الرسائل التي وصلتنا أثناء العاصفة كانت تحتوي على تفاصيل لم أنتبه لها من قبل. كانت تشير إلى وجود خيانة داخلية، شخص يعمل في الخفاء لإضعافنا من الداخل.

 

بدأت أبحث في التفاصيل، أراجع كل خطوة وكل لقاء. كلما تعمقت أكثر، شعرت أن الأمور أكبر مما ظننت. الخائن لم يكن مجرد عدو خارجي، بل كان قريبًا جدًا. شخص كان يعرفنا جيدًا، يعرف نقاط ضعفنا واستغلها لصالحه.

 

شعرت بحاجة ماسة لإخبارها. كتبت لها رسالة مختصرة:

“وجدت شيئًا قد يغير كل شيء. أحتاج إلى مساعدتك. عديني أن تقرئي هذا بعقل مفتوح.”

 

أرسلت الرسالة وانتظرت. كنت أعلم أنها قد لا ترد، أو ربما تحتاج إلى وقت للتفكير. لكنني كنت بحاجة إلى أن أفتح هذا الباب مجددًا، حتى لو كان ذلك يعني المخاطرة بما تبقى من ثقتنا.

 

مرت أيام دون رد. كنت أعمل على كشف الحقيقة، لكنها كانت مهمة صعبة بمفردي. ومع ذلك، كنت أشعر بأنني أقرب إلى الحقيقة مع كل خطوة.

 

وفي إحدى الليالي، بينما كنت أجلس في القاعة المظلمة، سمعت خطوات مألوفة. رفعت رأسي لأجدها تقف أمامي. نظرت إليّ وقالت:

“تلقيت رسالتك. ماذا وجدت؟”

 

شعرت بمزيج من الارتياح والقلق. قدمت لها الأوراق التي جمعتها وقلت:

“هناك شخص كان يعمل ضدنا منذ البداية. شخص كان يعرف كيف يزرع الشكوك بيننا، وكيف يضعفنا من الداخل.”

 

بدأت تقرأ الأوراق بعناية، وكنت أراقب ملامحها وهي تتغير تدريجيًا. أخيرًا، وضعت الأوراق جانبًا وقالت:

“إذا كان هذا صحيحًا، فنحن نواجه خطرًا أكبر مما ظننت. لكن لماذا أخبرتني الآن؟”

 

نظرت إليها مباشرة وقلت:

“لأنني أدركت أنني لا أستطيع مواجهة هذا وحدي. كنت أحتاجك دائمًا، لكنني كنت عنيدًا بما يكفي لأخفي ذلك. هذه المرة، أحتاجك بجانبي حقًا.”

 

صمتت للحظات، ثم قالت:

“إذا كنت تريدني أن أعود، فلا يمكن أن يكون الأمر كما كان. نحن بحاجة إلى إعادة بناء الثقة بيننا، وهذا لن يحدث بين ليلة وضحاها.”

 

ابتسمت بخفة وقلت:

“لن أطلب منكِ أكثر من ذلك. أنا مستعد للبدء من جديد، مهما استغرق الأمر.”

 

كانت هذه اللحظة بداية جديدة. لم يكن هناك وعود وردية، لكن كان هناك أمل. أمل بأننا قادرون على استعادة ما فقدناه، وعلى مواجهة العدو الحقيقي الذي حاول تدميرنا.

 

لكن الطريق أمامنا لا يزال مليئًا بالتحديات. هل سنتمكن من عبوره معًا، أم أن الجراح القديمة ستعود لتطاردنا من جديد؟

 

إلى اللقاء في الجزء السادس عشر…

قد يعجبك ايضا
تعليقات