بقلم / شروق حسن
معالج نفسي
في بداية فصل الشتاء، ومع عودة الدراسة، نستعيد مشاعر الطفولة وذكريات الذهاب إلى المدرسة، وتلك الفترة التي كان فيها الأصدقاء بمثابة العائلة. كثير من البالغين يسترجعون هذه المشاعر مع بداية الدراسة، وقد يكون ذلك بسبب الحنين للطفولة والشعور ببساطة الحياة، حيث كانت المسؤوليات محصورة في الواجبات المنزلية والاستيقاظ مبكراً، وكان هذا أكبر همومنا.
غالباً ما يحن الأشخاص إلى أحداث كانت في الماضي، والتي لا تزال مرتبطة في أذهانهم، ويشعرون بالحنين إلى ذلك الماضي لتعلقهم بأشخاص أو مواقف تركت فيهم مشاعر مرتبطة بتلك الأحداث. يُعرف هذا بالنوستالجيا، وهو مصطلح يستخدم لوصف الحنين إلى الماضي. يشير إلى الألم الذي يعانيه الشخص بسبب رغبته في العودة إلى بيته، وخوفه من عدم قدرته على ذلك للأبد. وُصفت هذه الحالة في البداية بأنها مرضية أو شكل من أشكال الاكتئاب، ثم أصبحت موضوعاً ذا أهمية بالغة.
هل تعتبر النوستالجيا اكتئاباً
اختلف العلماء حول كون حالة النوستالجيا ظاهرة إيجابية أم سلبية. فبعض الأشخاص قد تؤدي بهم إلى الاكتئاب. لاحظ بعض العلماء في دراساتهم أن معظم الذين يعانون من الحنين إلى الماضي بشكل كبير يتأثرون سلبياً، مثل الاكتئاب والهلاوس والتفكير المفرط overthinking وإنكار الواقع وإدمان تذكر الماضي. يمكن أن يؤدي الحنين إلى الماضي للشعور بالنكوص، وهي حالة يلجأ فيها الفرد إلى العودة أو النكوص إلى مرحلة سابقة من مراحل العمر، وممارسة السلوك الذي كان يمارسه في تلك المرحلة، لأن هذا السلوك كان يشعره بالأمان.
من أبرز الأمثلة على ذلك لجوء البعض إلى البكاء للحصول على شيء أو لجلب الانتباه، أو للتخلص من مواقف تسبب لهم القلق، ولو لفترة، هرباً من الضغوط المحيطة بهم. وقد يلجأ البالغون أيضاً إلى هذه الحيلة بعد الخروج من تجارب قاسية، مثلاً، العودة إلى مص أصابعهم أو الفتيات اللاتي يعودن إلى اللعب بالدمى.
يمكن أن يبقى الشخص في المرحلة التي انتكص إليها، مما يؤدي إلى آثار سلبية وفقدان القدرة على تحقيق التوافق السوي. في هذه الحالة، يكون الحنين للماضي خطراً على الشخص، ويجب عليه الذهاب إلى معالج نفسي أو متابعة طبيب لتقليل هذه الأعراض أو السيطرة عليها.
ومع ذلك، يمكن أن يكون الحنين شعوراً إيجابياً عندما يشعر الشخص بالرضا والسعادة، مدركاً أن تجارب الإنسان ما هي إلا سعي نحو حياة أفضل. في هذه الحالة، قد يسترجع الشخص الماضي بطاقة إيجابية، مما يثير لديه مشاعر الانتماء والرضا النفسي والأمان، ويسعى لتحسين حياته عن طريق تذكر الأشخاص الجيدين الذين كانوا في حياته وإعادة بناء تلك العلاقات بشكل ودي.
في نهاية هذا المقال، أود أن أضيف أن الماضي مجرد قصة نرويها لأنفسنا باستمرار. فما أجمل الشعور بسعادة استرجاع ذكريات الطفولة والأصدقاء واللعب بدون هموم أو مسؤوليات، وجعلها أسعد أيامنا من خلال محاولاتنا للاحتفاظ بهذا الماضي السعيد. وما أقسى الحنين إلى أشخاص لم يعودوا موجودين. لكن الأهم هو أن نركز على حاضرنا ونجعله أفضل لنصنع ذكريات نسعد بها في المستقبل.