بقلم – رانيا ضيف
يزداد العالم تعقيدًا وتنوعًا يومًا بعد يوم، ويظل السؤال قائمًا: لماذا يرهبنا إعمال العقل؟ ولماذا تبدو بعض المجتمعات غير قادرة على مواجهة الأفكار الجديدة والتعامل معها بنضج؟
إن القدرة على التفكير النقدي واستقبال الأفكار الجديدة بعقل مفتوح تعكس ثقة الإنسان في معتقداته ورسوخه في قيمه الأساسية. ولكن عندما يهيمن الخوف من الفكر والاختلاف، ينبثق عن ذلك عقيدة هشة ومنطق ضعيف. تُرى ما الأسباب الكامنة وراء هذا الخوف؟ ونحن نعي أن غياب الحوار الفكري والنقد البناء يقود إلى تأخر الحق والتقدم. لم تتصارع التيارات الفكرية المختلفة في مجتمعاتنا اليوم، وما تداعيات هذا الصراع على تقدمنا الحضاري والعلمي؟
دعنا نتفق أن من يرهبه الفكر فلا عقل له، وعقيدته هشة، ومنطقه ضعيف. وكلما زادت ثقة الإنسان في معتقده، كلما كان راسخًا رسوخ الجبال، لا ترهبه الكلمة ولا يخاف الاختلاف.
لذا كان دأب الجماعات الإسلامية تشويه معارضيهم، لا مناظرتهم ولا مواجهة الفكر بالفكر. مساحة الاختلاف غير موجودة في منطقهم، وإنما الأحكام المعلبة والمعدة سلفًا والتي ينتج عنها عداء أتباعهم للمفكرين لعدة حقب زمنية.
كان مصير كل المجددين في كل زمان العداء والكراهية وإعلان الحرب عليهم. ووصل فجر الخصومة بالمتطرفين إلى قتل بعضهم ورميهم بالباطل. الغريب أن أتباع هؤلاء يساقون كالأنعام، لا يقيمون الكلام ولا يعقلونه ثم يحكمون عليه. إنهم على استعداد دائم لشهر سلاح العداء وتحطيم الآخر، يفعلون ذلك بكل حماس وكأنهم في ساحة حرب، وقتلاهم في الجنة وقتلى المخالفين في النار!
رأينا ذلك أثناء محاكمة قاتل فرج فودة عندما سأله القاضي عن سبب جريمته!
ورأينا التهم التي أحاطت بقاسم أمين وطه حسين وغيرهم ولم تنكشف لنا الحقائق إلا بعد سنوات طويلة من مقاطعة أفكارهم وكتبهم!
نتيجة لتلك الرعونة في الحكم على الأمور، والتي تصل حد الإجرام، يتأخر الحق كثيرًا، والتقدم والتطور يسير ببطء يشبه سير السلحفاة. تبقى الأمة تجر ذيول الخيبة وتجني ثمار التخلف والجهل وإنكار الآخر. التجديد يحتاج إلى قلب إنسان يعي فقه الواقع ومحدثات الأمور وتطور العصر.
المشكلة أن الشعارات دائمًا ما تطفو على السطح في التصريحات، بينما الحقيقة هي التهم المعلبة المعدة سلفًا وقانون ازدراء الأديان الذي يشهره هؤلاء في وجه كل مفكر أو من يطرح فكرًا مختلفًا. والنتيجة هي تناحر وتراشق وحالة من الهستيريا الدينية!
لدينا حاليًا تياران: تيار ديني أصولي رافض تمامًا للتجديد، متخوف على الدين بطريقة تصور الدين كشيء هش وضعيف يحتاج إلى حماية، وتيار آخر رافض للتراث بالكلية، يرى أن نسفه والعمل على قراءة النصوص بمنظور جديد يأخذ في الاعتبار فقه الواقع وتطور العصر هو الحل للتقدم واللحاق بركب الحضارة والعلم.
بين هذين التيارين، هناك حاجة ملحة لتيار وسط متزن يتبنى التجديد دون المساس بجوهر الدين، تيار يتفهم أن التراث ليس مقدسًا بقدر ما هو تجربة بشرية تراكمية تحتمل الصواب والخطأ. نحتاج إلى فكر يعترف بالتعددية ويتقبل الآخر، فكر يركز على القيم الإنسانية المشتركة التي تدفعنا نحو التقدم والتطور.
إعمال العقل ليس تهديدًا، بل هو طريق نحو التقدم والنهوض بالمجتمعات. علينا أن نتعلم قبول الاختلاف والنقد البناء، وأن نتحلى بالثقة في معتقداتنا. فالتجديد والإبداع هما مفتاحا التطور الحضاري والعلمي. إذا استطعنا أن نتجاوز الخوف من الفكر المختلف، سنجد أن الحق يسطع بنوره، وأن المجتمعات تزدهر بالمعرفة والتسامح. لنكن جميعًا دعاة للفكر والعقل، ولنعمل معًا لبناء مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة.