د.إيمان بشير ابوكبدة
إن المستقبل الآلي والافتراضي بالكامل هو قاب قوسين أو أدنى. في ستينيات القرن الماضي، أيقظت حركة المستقبل التحديثي الحلم في كثير من العالم الذي يتم تشغيله بواسطة آلات معقدة، ذات أذرع عملاقة قابلة للتعديل يمكن استخدامها لبناء سيارة قطعة قطعة أو حتى تنظيف منزل بأكمله. ليس من المستغرب أن ينظر إلى الآلات الآلية ، أو الروبوتات، ذات يوم على أنها أفضل اختراع للإنسان.
حتى وقت قريب، كان الذكاء الاصطناعي، كمجموعة من التقنيات المختلفة التي تسمح بأداء وظائف متقدمة، مجرد شيء موجود في صفحات كتب آرثر سي كلارك. ولكن اليوم، يمثل هذا المورد بالفعل سوقا تبلغ قيمتها أكثر من 800 مليار دولار أمريكي، وهو قادر على تحويل الأشياء والأماكن، ومحاكاة الأصوات، وتأليف الموسيقى، وكتابة المقالات، وتوفير الرعاية الافتراضية، والعمليات الجراحية، والمعاملات المصرفية، وسلسلة من الوظائف الأخرى.
على الرغم من أن الآلات والذكاء الاصطناعي أصبحت ضرورية في حياتنا ونحن نسعى إليها بشكل متزايد، إلا أن الخوف من التكنولوجيا الحديثة، المعروف باسم رهاب التكنولوجيا، هو الشيء السائد. عندما حدث الجزء الأول من الثورة الصناعية في عام 1760، كان الناس يخشون أن تحل الآلات التكنولوجية المتطورة محل العمل البشري، وأن يقع الجميع في الفقر، حتى مع فرض الجوع للتقدم نفسه في خضم هذا الشعور.
وبعد استبعاد هذا الاحتمال، عاد الخوف في اللحظات الأخيرة مع مطلع القرن الحادي والعشرين، مع تجارب الاستنساخ وإنشاء تقنيات الاتصالات وتخزين البيانات، مما عزز ما كان يسمى “تحديث الحياة اليومية”.
تعد أجهزة الكمبيوتر بالفعل أكثر قوة في تقديم الإجابات أو فعالة في تنفيذ الإجراءات الطبية من القدرة الفكرية البشرية، فلماذا لا يزال البشر لا يثقون في الذكاء الاصطناعي؟
معضلة القطار
العلاقة بين البشر والذكاء الاصطناعي مرتبطة تماما بعلم النفس. البعض لا يثقون بهذه التكنولوجيا في أشياء معينة في حياتهم لأنهم يرونها على حقيقتها: ذكاء فضائي. ولا تعتمد الثقة على القدرة على التنبؤ فحسب، بل على الدوافع المعيارية أو الأخلاقية، التي تتأثر بالتجربة المشتركة. ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي ليس أكثر من مجرد مجموعة من الأنظمة ذات قيود كبيرة: فالعديد من أعماله الداخلية غير قابلة للاختراق أو لا يمكن تفسيرها بشكل أساسي، أو لا يمكن التنبؤ بها.
أوضح الدكتور مارك بيلي، عضو هيئة التدريس في جامعة الاستخبارات الوطنية، حيث يرأس قسم الذكاء السيبراني وعلوم البيانات، أن القرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي غالبا ما تكون مبهمة لأنها أنظمة تحتوى على تريليونات من المعلومات. أنظمتها مبنية على شبكات عصبية للتعلم العميق تحاكي، في بعض النواحي، الدماغ البشري ، وتحتوى على “خلايا عصبية” مترابطة مع متغيرات أو معلمات تؤثر على قوة الاتصالات بينها. المشكلة هي أن نظام الذكاء الاصطناعي يتعلم تصنيف كل نقطة بيانات ليس عن طريق الحفظ، ولكن عن طريق التنبؤ بما قد تكون عليه نقطة البيانات هذه.
لذلك، لا أحد لديه أي فكرة عن كيفية تصرف الذكاء الاصطناعي في موقف ما، وهذه هي المشكلة الكبيرة في قابلية تفسيره. يتم اختبار هذا السؤال باستمرار في كتاب فيليبا فوت “معضلة القطار” حول التفكير الأخلاقي.
ماذا سيفعل الذكاء الاصطناعي الذي يتحكم في السيارة إذا اصطدم طفل صغير في منتصف الطريق: هل سيختار بين دهس الطفل أو الانحراف والاصطدام، مما قد يؤدي إلى إصابة ركابه؟ قد يكون اتخاذ هذا الاختيار صعبا بالفعل على الإنسان، لكنه يتمتع بميزة القدرة على شرح قراره، مع ترشيد يتشكل من خلال المعايير الأخلاقية والتصورات والسلوكيات الأخرى، والتي لا يمتلكها الذكاء الاصطناعي.
حل المشكلة
في أكتوبر 2021، طور باحثون في مختبر للذكاء الاصطناعي في سياتل يسمى معهد ألين للذكاء الاصطناعي شبكة عصبية تسمى “دلفي”، وهي تقنية مصممة لإصدار أحكام أخلاقية، تستهدف ما يسمى بمشكلة محاذاة الذكاء الاصطناعي.
وقد احتفل البعض بهذه العملية ورفضها آخرون، الذين اعتبروا فكرة الآلة الأخلاقية في حد ذاتها سخيفة. ففي نهاية المطاف، من يستطيع على تعليم الأخلاق للآلات؟ باحثون في الذكاء الاصطناعي؟ مديري المنتجات؟ الفلاسفة وعلماء النفس المدربين؟ الجهات الرقابية الحكومية؟
وفي الوقت نفسه، يعتقد بعض خبراء التكنولوجيا، مثل بيلي، أن إحدى الطرق لتقليل عدم اليقين وزيادة الثقة في الآلات هي ضمان مشاركة الجمهور في القرارات التي تتخذها أنظمة الذكاء الاصطناعي. في الواقع، هذا هو النهج الذي تبنته وزارة الدفاع الأمريكية، والذي يتطلب من الإنسان أن يكون في وظائف مباشرة (عندما يتمكن النظام من بدء الإجراء من تلقاء نفسه ويمكن للعامل البشري أن يقاطعه أو يغيره). وفي الحلقة (عندما يقدم النظام توصية، ولكن هناك حاجة إلى وكيل بشري لبدء الإجراء).
لكن هذا الحل ليس مستداما على المدى الطويل. ومع اعتماد المزيد من الشركات والمؤسسات الحكومية للذكاء الاصطناعي، فإن المستقبل سوف يشتمل على أنظمة متداخلة إلى الحد الذي يجعل القرارات السريعة على نحو متزايد من شأنها أن تحد من فرص الناس في التدخل. ولهذا السبب يعتقد الخبراء أنه من المهم حل مسألة قابلية الشرح ومواءمة الذكاء الاصطناعي قبل فوات الأوان، وليس أمام البشر خيار سوى تكليف ذكاء فضائي بجميع أقسام حياتهم.