كتبت/ سهام سمير
كنا في ندوة وكان يجاورني رجل في الستين من عمره، على مايبدو ، ربما أصغر، أو أكبر قليلا .
بدأ المُحاضر في شرح بعض المفاهيم، ومنذ البداية تداخل الرجل الستيني، بالقاء ملاحظات أو أسئلة أو تعليقات.
بدأنا في التململ والتشتت وفقد التركيز والمتابعة، وبدأ المُحاضر يشعر بنفس المشاعر.
للأمانة نبهه المُحاضر بأكثر الطرق لطفا، بأننا لابد أن نكمل المحاضرة، ثم يناقشه في كل الأمور التي علقت في ذهن الستيني، لكن لا فائدة.
ظل الرجل على حاله والمُحاضر يحاول جمع المادة، والرجل يُشتتنا ونحن نحاول المتابعة.
صوته عالي، ومداخلاته، بعضها جدير بالمناقشة بالفعل، لكن معظمها يمكن تأجيله أو مناقشة المُحاضر فيه على حدة أو في وقت لاحق.
في ذروة المحاضرة وقبل انتهائها بقليل، ألقى سؤالا كعادته، اعتدنا المقاطعة فلم نعد نُفاجىء.
المفاجأة كانت في أنه سأل ورد في نفس التوقيت.
هنا أدركت معنى كان غائبًا عنى طوال الوقت.
هذا الرجل يحتاج لأن يُسمع، لأن يعرض رأيه.
أتى في سن الستين ليعوض ما فاته في سنوات عمره الأولى، ليجيب عن أسئلة، سمعها، ولم يأخذ فرصة الإجابة عنها، ليسد ثغرات مناقشات المراهقة والشباب، ليُسكت أصوات اعترضت على اختياراته لنوع الدراسة، ومكان العمل وشكل زوجة المستقبل وأين يسكنان وكيف يؤثثان منزلهما.
كم مرة رُفض اقتراحه أو تم استبداله برأي أخر !
كم مرة عارضه أبناؤه، أو لم يحققوا رغبته!
كم مرة قاطعه صديق، أو عرض رأيه ف تم الاستخفاف به!
عرفت الإجابة حين أخبرنا المحاضر أننا في سن الأربعين، نصبح كالساندويتش، محاصرين بين الجيل الذي يصغرنا ، أبناءنا واحتياجهم لرعايتنا والجيل الأكبر أبائنا واحتياجهم لاهتمامنا.
أما كيف عرفت، فكالعادة قاطع الستينى المُحاضر ليخبرنا جميعا أنه ينتمي لجيل البيتزا! واستطاع أخيرا أن ينزع الضحكة بصوت عالي من قلوبنا، بعدما انتهينا من الضحك، أكمل وصف حالته قائلا؛
أنا أنتمي للجيل الذي عُجن وخُبز ثم لينسوا طعمه، أخفوا جوهره بمزيد من الاضافات، لا تمت لبعضها بصلة، بقايا وفتات لا يغني ولا يسمن وحده، وأما أصعب ما حدث لي، كان في مرحلة ضغطى وفردي بالنشابة واعادة تشكيلي من جديد لأتوافق مع ما يطلبه الحاضرون.