بقلم- وليد درويش
نعيش حاليًا أقصى مراحل إرهاصات ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بين الشرق والغرب وحلفاء كل معسكر على قدم وساق. بعد انتهاء فترة الحرب الباردة بين المعسكرين، بدأت في أخذ مسارات أخرى، منها الاشتباكات، ولعل أبرزها المسرح الأوكراني الأوروبي، والمسرح الفلسطيني الشرق أوسطي، والمسرح التايواني الآسيوي، والمسرح السوداني والساحل الأفريقي والثروات النفيسة. فكل العالم الآن انخرط بطريقة أو بأخرى في تشكيل تحالفات وتكتلات تخدم المصالح والنفوذ للدول. فما عاد الوضع والنظام العالمي القديم يخدم إلا مصالح المستعمر الغربي وسط سخط عالمي للكيل بمكيالين. لكل بقعة مشتعلة على الأرض قصة تعج بالمطامع وفرض أمر واقع لكل معسكر، مما يعزز من فرص التصعيد النووي ومن ثم حرب عالمية ثالثة ضروس لا تبقي ولا تذر. من المعسكر الغربي نرى صعود التيار اليميني المتطرف المنادي بالقومية والمناهض للحرب وجر القارة العجوز إلى حافة الهاوية. وبالعكس تمامًا، حكومة الاحتلال المتطرفة تدفع نحو الهاوية وهي في طريقها إلى الزوال بعدما مُنيت بهزيمة دولية وتقليل الدعم الدولي بعد الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني والعُزل، وإشعال الصراع في أكثر من جبهة لإطالة عمر حكومة نتنياهو والهروب للأمام لتجاوز محاكمات بانتظاره. وبعد أن نجحت الصين في محاصرة تايوان من الخارج، تسعى جاهدة لتدعيم المعارضين في الحكومة التايوانية للاستيلاء الناعم على الجزيرة، لكن يحتاج الأمر لمزيد من الوقت لتجهيز المسرح. على الجانب الآخر من الكوكب، حيث إفريقيا السمراء، عصفت بها أطماع الدول الكبرى للاستيلاء على الثروات والمعادن النفيسة. مثال حي على ذلك دولة الكونغو التي تحتوي على مناجم من العناصر النادرة المستخدمة في صناعة البطاريات، وتستحوذ الصين وحدها على ما يقارب ٧٥٪ من الإنتاج العالمي. ولذلك نرى هذا جليًا في خسائر شركة تسلا للسيارات الكهربائية، صناعة المستقبل، وكذلك في اليورانيوم والكوبالت والنحاس والذهب. فأفريقيا منذ فجر التاريخ مطمع للدول الغربية، والآن انقلبت تلك الدول لصالح المخلص الصين وروسيا من رعونة وأنانية واستغلال الغرب القابع هناك منذ عقود. فأدركت الصين وروسيا أكذوبة الغرب عن الديمقراطية والتلاعب بالاقتصاد العالمي عن طريق الدولار وبدون غطاء، بين خفض تارة لسعر الفائدة ورفعه تارة أخرى، مما أدى إلى خسائر لدول كبيرة ومهمة في أنحاء العالم. وما زاد الطين بلة هو مؤامرات الغرب لكبح النفوذ الاستراتيجي لروسيا والصين بزرع وتسليح كيانات قريبة للعمق الاستراتيجي لتلك الدول، مما أدى إلى اندلاع حرب كارثية كحرب أوكرانيا ثم حرب فلسطين من أجل استنزاف الدول أكثر فأكثر اقتصاديًا، لكن في النهاية أتت بالعكس على المعسكر الغربي ودول التماس كمصر وبعض الدول والاقتصاد والنمو والتجارة العالمية أيضًا. كل هذا في غياب منظمات المجتمع الدولي الناجزة (المسيسة)، فظهر العوار جليًا للقاصي والداني. أدعو الله أن لا نبقى في هذا النفق المظلم، وأن نخرج منه بأسرع وقت في ظل عالم متعدد الأقطاب متوازن، وإصلاح الخلل في المنظومة العالمية، وأن تبقى مصر حرة أبية شامخة هاماتها بين الأمم. ولعل القادم خير. تحيا مصر.