القاهرية
العالم بين يديك

٧ أَسْبَاب لرحيلكِ

133

بِقَلَم : شُرُوق صَالِح

أَعْلَم أنكِ تحملتِ جروحاً وآلاماً أَكْثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي بَلْ أَعْمَق مِن قَاع الْمُحِيط .
رأيتِ مِنْ الْبَشَرِ أشْكَالا وَأَلْوَانا جعلتكِ ترحلين وتصبحين مِنْ الْمَاضِي السحيق .
بَدَأَت مأساتك بمغادرتك لِتِلْك الْبَلَدِ الَّتِي ترعرعتِ فِيهَا وَكَانَتْ بِمَثَابَة بَلَدِك الْأُمّ ، فَقَد خطوتِ أَوْلَى خطواتك بِهَا ، واكتشفتِ الْحَيَاةُ مِنْ خِلَالِهَا ، نُسجت ذكرياتكِ فِيهَا كَقَطْعِة فَنِيَّة مِنْ الصُّوفِ ، وفجأة صفعتكِ الْحَقِيقَة الْمَرَّة ألا وَهِيَ ضَرُورَة عودتكِ لمسقط رأسكِ وَبِالْفِعْل عدتِ ، فانصدمتِ بِوَاقِع لَا يَمُت لكِ بِصِلَة وثقافة لَم تعهديها ،
لِدَرَجَة أَنَّ أَحَادِيثَ أقرانكِ مِن الْفَتَيَات لَمْ تَكُنْ تُشْبِه أحاديثك فقررتِ الِانْعِزَال عَنْهُم رَيْثَمَا تجدين مِن تشبهكِ واكتفيتِ بذاتك .
يَقُولُونَ بِأَنَّ الْوَحْدَة مُؤْلِمَة لَكِنَّ الْحَقِيقَةَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بإرادتنا تُصْبِح جنتنا عَلَى الْأَرْضِ .
مَرَّت ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ مكتظة بمرار لَم تعهديه مِنْ قِبَلِ وَذَلِكَ فِي مُحَاوَلَةِ للتكيف مَعَ الْحَيَاةِ ونجحتِ بِنِسْبَة لَا بَأْسَ بِهَا ، وَهَا قَدْ حَانَ وَقْتُ إلتحاقكِ بِالجَامِعَة ، لَحْظَة بَدَأ حياتكِ الْفِعْلِيَّة .
كَانَت أَرْوَع سَنَوَات عمركِ ، قابلتِ خِلَالِهَا مَجْمُوعِهِ مِنْ الصديقات شاركتيهن أفراحكِ وضحكاتكِ وأحزانكِ ، دائماً مَا تغدين وتروحين مَعَهُنّ ، لَكِنَّهَا فَجْأَة خُتمت بِشَيْءٍ غَيْرِ مُتَوَقَّع وانقشع الظَّلَام واكتشفتِ الْوَجْهُ الْحَقِيقِيُّ لِإِحْدَاهُنّ ، وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ سِوَى صَدَاقَة مُزَيَّفَةً مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ اللَّعِين الَّذِي يُدْعَى الْمَصْلَحَة ،
فَبَعْض الْبَشَر يَتَعَامَلُون مَعَك لِغَرَضٍ مَا فِي نُفُوسِهِمْ وُفُور انْقِضَائِه يغادرونك مخلفين وَرَاءَهُم جروحاً وآلاماً لَا تداويها الْأَيَّام .
مَرَّت الْأَيَّام وتخرجتِ أخيراً مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي كنتِ تعشقينه عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ شاهداً عَلَى مَا مَرَرْت بِهِ مِنْ الْأُمِّ أيضاً وَحَانَت تِلْكَ اللَّحْظَةَ الَّتِي تَرَتَّبَ عَلَيْهَا ضَرُورَة سَفَر أَحِنّ وَأَقْرَب وأحبّ النّاس لفؤادك وَهِي أُمُّك وعودتها لِذَلِك الْبَلَدِ الَّذِي مازلتِ تعشقين كُلِّ رُكْنٍ وَزَاوِيَة وشبر فِيه .
لَمْ تَكُنْ مُدَّةِ السَّفَرِ طَوِيلَة فَقَدْ كَانَتْ شَهْرَيْن لَكِنَّك تجرعتِ فِيهَا مِنْ الْعَذَابِ أَلْوَانٌ مِنْ جِهَتَيْنِ : الْأُولَى تَحَكُّمٌ أَشْخَاص لَا يَحِقُّ لَهُم التَّحَكُّم بكِ وَعَدَم قدرتكِ التَّشَاجُر مَعَهُم احتراماً مِنْك لفارق الْعُمْر ، وَمِنْ جِهَةِ أُخْرَى عَدَمُ سُؤَالِ أَيْ شَخْصٍ عَنْك أَوْ عَنْ إِخْوَتُك والعجيب فِي الْأَمْرِ أَنَّهُمْ أَقْرَب الأَقْرَبِين إلَيْكُم ، فَقَد اقْتَصَرْت أَسْئِلَتِهِم عَلَى (متى خُرْجَتِي ؟ وَإِلَى أَيْنَ ؟ ) والعديد مِنْ تِلْكَ الْأَسْئِلَةِ الَّتِي تشعركِ أنكِ فِي مَوْضِعٍ اتِّهَام كأنكِ مذنبة إمَام قاضٍ فِي الْمَحْكَمَةِ .
حاولتِ طَيّ كُلُّ مَا حَدَثَ وَجَعَلَهُ مِنْ الْمَاضِي وأردتِ الْبَدْء مِنْ جَدِيدٍ بَعْدَمَا اصْطَفَيْت مِن يَحِقُّ لَهُ التَّوَاجُد فِي حَيَاتِك وأصبحتِ لَا تمنحين ثقتكِ إلَّا لِمَنْ يَكُونُ جديراً بِهَا وَهُمْ قِلَّة قَلِيلِه .
انتقلتِ لِحَيَاة الْعَمَل ويالا سُوء هَذِهِ الْحَيَاةَ الَّتِي قررتِ زُج نَفْسِك بِهَا ،
فِي هَذِهِ الْحَيَاةَ تَرَيْن أَنْوَاعٍ مِنْ الْعَصَافِير الَّتِي تَطَأ بِأَرْجُلِهَا الْأَرْض وَلَهَا قَدَّرَه فَرِيدَة عَلَى الْإِيقَاع بَيْنَ الْبَشَرِ فيتشاجرون ويتناحرون بَيْنَهُم ، وَكَذَلِكَ هُنَاكَ نَوْعٍ آخَرَ يُدْعَى (الأفاعي والعقارب) ذَات الْوَجْه الملائكي بَيْنَمَا يَسْتَطِيعُون سَرِقَة واختطاف كُلِّ شَيْءٍ بِبَساطَة دُونَ أَنْ يرف لَهُم جَفْن ، فَبِمُجَرَّد إنزالهم بعضاً مِنْ دُمُوعٍ التَّماسِيحِ يُصَلُّون لِمَا يُرِيدُون ، والأغرب مِنْ ذَلِكَ يَعِيشُون دُور الضَّحِيَّة وَيُؤْذُون تِلْك وَذَاك ، فَلَمْ يُسَلِّمْ أَحَدٌ مِنْ شَرِّهِمْ إلَّا مِنْ لَهُ مَصْلَحَةٌ مَعَهُم .
وَهُنَاك تَمَاثِيل الظُّلْم الْمُتَحَرِّكَة القابعة إمَام مكاتبهم يَظْلِمُونَ مَنْ لَا يَصْدُرُ صوتاً وَعِنْدَمَا تَخْرُجِين مِن صمتكِ تقابلين بِجُمْلَة لَقَد تغيرتِ ! !
بِكُلّ تَأْكِيدٌ
ستتغيرين فَالسُّكُوتُ عَنْ الظُّلْمِ ظَلَم .
وَهَا هِيَ أَكْبَرُ طَامَّة حَلَّت بِكَ وَ كَشَفَت كُلّ الْحَقَائِق الَّتِي كُنْتَ تعرفينها لَكِنَّك فضلتِ تَكْذِيبُهَا وَالْهُرُوب مِنْهَا وَهُوَ ذَلِكَ الْمَرَضِ

قد يعجبك ايضا
تعليقات