محمود سعيد برعش
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنُؤاخَذُ بما عَمِلْنا في الجاهِلِيَّةِ؟ قالَ: “مَن أحْسَنَ في الإسْلامِ لَمْ يُؤاخَذْ بما عَمِلَ في الجاهِلِيَّةِ، ومَن أساءَ في الإسْلامِ أُخِذَ بالأوَّلِ والآخِرِ”.
شرح الحديث
هل الصحابة يؤاخذون بالمعاصي التي فعلوها في الجاهلية؟
“مَن أحْسَنَ في الإسْلامِ لَمْ يُؤاخَذْ بما عَمِلَ في الجاهِلِيَّةِ”، الإحسان في الإسلام معناه: صدق التوبة إلى الله تعالى، ولذلك فإن الإسلام يجُبّ ما قبله، ويمحو ما قبله من سيئات ومعاصي، فلن يؤاخذ الله تعالى الصحابة على ما اقترفوه في زمن الجاهلية.
ولذلك كل ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الجاهلية لا يؤاخذ عليه، وكذلك خالد بن الوليد رضي الله عنه، وباقي الصحابة.
ولما أسلم عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: إني أشترط عليك يا رسول أن الله تعالى يغفر لي ما مضى، فقال: “أما علمت يا عمرو أن الإسلام يجبّ ما كان قبله؟”( ).
من تاب وحسن إسلامه غفر الله تعالى له ما كان في جاهليته، والذي يسلم ولا زال يركب سفينة المعاصي، ولا زال مغرورا، ولا زال متكبرا رغم أنه دخل في الإسلام فهذا لا يقبل الله تعالى منه إلا أن يتوب توبة نصوحًا، ويعاهد الله تعالى أن لا يعود إلى المعاصي أبدًا.
وقال أبو سعيد الخُدْرِيّ: “أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله؛ فتشاءم بالإسلام فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: أقِلْني! فقال: «إن الإسلام لا يُقال» فقال: إني لم أصب في ديني هذا خيرا ذهب بصري ومالي وولدي! فقال: «يا يهوديّ إن الإسلام يَسْبِك الرجال كما تَسْبِك النارُ خَبَث الحديد والفضة والذهب»؛ فأنزل الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)}( ) [الحجّ: 11].
من أساء في الإسلام وعاد إلى الكفر ولم يتحمَّل الابتلاءات، فيؤاخذ بما كان في الجاهلية وبما فعله بعد أن دخل في الإسلام.
اللهُ عَزَّ وجَلَّ واسِعُ الرَّحمةِ، جَزيلُ العَطاءِ لِمَن آمَنَ وعَمِلَ صالِحًا، فمهْما بَلَغتْ ذُنوبُ العَبدِ وكَثُرتْ خَطاياهُ وكان كافِرًا، ثمَّ أسْلَمَ؛ غَفَر له ذُنوبَه وتابَ اللهُ .