القاهرية
العالم بين يديك

قراءة في رواية (الخيميائي).. ” الرحلة هي الكنز”

674

قراءة / رانيا ثروت
عن الترجمة العربية لرواية “الخيميائي ” والتي قام بها الأديب الكبير بهاء طاهر نسخة دار الهلال .
للكاتب / باولو كويلو
مقدمة : 

———-
“ليس مَن لزمَ جهة وطنِه، وقنع بما نمى إليه من الأخبار من إقليمه، كمَن قسم عمره على قطع الأقطار، وزرع بين أيامه تقاذُف الأسفار واستِخراج كل دقيق من معدنه، وإثارة كل نفيس من مكمنِه”؛ (أبو الحسن المسعودي).
و يقول الشاعر :
” ومن يتهيب صعود الجبال ..يعش أبد الدهر بين الحفر.”
وفي مأثور القول (على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ )
عندما قرأت رواية باولو كويلو لأول مرة تذكرت فورا مقولة الشاعر العربي الفلسطيني محمود درويش
(قف عند ناصية الحلم وقاتل )
الحلم الذي يدفعنا الأمل فيه إلى أن نحيا يوما آخر من أجله ، ويعلمنا التمسك به الصبر والآناة و اليقين في التحقق يوم ما .
وكما قال باولو كويلو في روايته التي نحن بصددها (الخيميائي ) في حوار الملك مع الشاب :
(وعندما ترغب في شيء ما، فإن الكون بأسره يطاوعك علي القيام بتحقيق رغبتك)
(يروي باولو كويلو أن أهله أدخلوه مصحّاً للأمراض العقلية لثلاث مرات متتالية, حين كان في السابعة عشرة من عمره. وأنهم إنما فعلوا ذلك بعدما توقّف عن الدراسة وبدأ يميل إلى العزلة, رافضاً ممارسة أي نشاط ما عدا المطالعة. الطريف في الأمر أن كويلو علّق على تلك الواقعة بقوله: “أبداً لم أنظر إلى نفسي كضحية. وضعني أهلي في المصح بدافع حبهم لي. لم يتمكّنوا من فهم إختلافي، فنعتوني بالجنون. جنوني هذا كان مطيّتي إلى الحرية”.
ويقول باولو كويلو :أنا أعشق الصحراء التي تعرّفت إليها للمرة الأولى خلال سفري إلى المغرب. غير أن زيارة مصر أثّرت فيّ كثيراً. ذهبت ذات ليلة لرؤية الأهرامات برفقة صديق مصري. كان المشهد ساحراً. هناك, طلبت منه أن يتلو شيئاً من الصلاة, فأنشد آية رائعة تقول ما معناه: يا ربّ إذا حدت عن الدرب المستقيمة،(إهدنا الصراط المستقيم ) فأعدني إليها. كانت زيارة الأهرامات تجربة روحية شبيهة برحلة الحجّ التي قمت بها سابقاً. وحاولت نقل الشعور الذي إنتابني هناك, في نهاية رواية “الخيميائي”. في البداية, لم تبع الرواية أكثر من 900 نسخة, فأعاد إليّ الناشر حقوق التأليف, لأنه إعتبرها عملاً فاشلاً. يومذاك تذكّرت تلك الصلاة: يا ربّ إذا حدت عن الدرب المستقيم, فأعدني إليه. وتذكّرت ما كتبته في “الخيميائي”: إذا أردنا شيئاً ما, فسيتآمر كل الكون ليساعدنا على نيله. طرقت أبواب الناشرين, إلى أن وقعت على ناشر برازيلي كبير قبل إعادة طبع الرواية. إصراري على نشر الرواية مجدّداً هو عودتي إلى الدرب المستقيم, هو طريقي التي وجدت والتي سمحت لي بتحقيق حلمي، أي أن أصبح كاتباً. واليوم, “الخيميائي” هو الكتاب الأكثر مبيعاً في الأدب البرازيلي خلال القرن العشرين.) ويكبيديا الموسوعة الحرة

تعريف الرواية :
—————-
الرواية هي فن سرد الأحداث والقصص، تضم الكثير من الشخصيات تختلف انفعالاتها و صفاتها وفي تعريف آخرنجد أن الرواية هي سرد نثري طويل يصف شخصيات خيالية وأحداثاً على شكل قصة متسلسلة، كما أنها أكبر الأجناس القصصية من حيث الحجم وتعدد الشخصيات وتنوع الأحداث، وقد ظهرت في أوروبا بوصفها جنساً أدبياً مؤثراً في القرن الثامن عشر، والرواية حكاية تعتمد السرد بما فيه من وصف وحوار وصراع بين الشخصيات وما ينطوي عليه ذلك من تأزم وجدل وتغذيه الأحداث.

العنوان :
————
العنوان يُمنهج القراءة،ويتحكم في تأويل النص وفي أفق إنتظار المتلقي .
وبالنظر إلى العنوان نجد أن كلمة الخيميائي وهي مشتقة من كلمة (الخيمياء ) والخيمياء هي :
“الخيمياء هي ممارسة قديمة ترتبط بعلوم الكيمياء والفيزياء والفلك والفن وعلم الرموز وعلم المعادن والطب والتحليل الفلسفي وعلي الرغم أن هذه العلوم لم تكن تمارس بطريقة علمية كما تعرف اليوم إلا أن الخيمياء تعتبر أصل الكيمياء الحديثة قبل تطوير مبدأ الأسلوب العلمي.
تلجأ الخيمياء إلى الرؤية الوجدانية في تعليل الظواهر، وكثيراً ما لجأ الخيميائيون إلى تفسير الظواهر الطبيعية غير المعروفة لديهم على أنها ظواهر خارقة، وترتبط بالسحر وبما يسمى بعلم الصنعة.”
وهي وفق السياق التاريخي،( هي السعي وراء تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب قيم.)
*ويكيبديا الموسوعة الحرة

وتأويلي للعنوان أن سانتيجو الشخصية الأساسية في روايتنا هذه ،الفتي الخام الذي لن تثقله التجارب والخبرات هوالمعادل الموضوعي للمعدن الرخيص الذي سوف يتم تنقيته من الشوائب وثقله إستعدادا لتحويله إلي معدن نفيس قيم ،عندما يفهم ما يجب عليه فهمه محققا أسطورته الشخصية بعد إحتسائه لكأس الحكمة الروحية والفلسفية المولودة من رحم المشقة والمصاعب التي سوف يواجهها ، فاكا بذلك إشارات القدر متفهما لمعانيها الخفية …منصتا لروح العالم التي سوف تخبره بما يعجز الأخرون عن سماعه في غفلتهم وإشتغالهم عن هدفهم الاساسي وغاية وجودهم الحقيقية في هذا العالم وذلك بمساعدة الخيميائي العربي في تكريم (نحمل له الإمتنان والتقدير )للثقافة العربية والإسلامية من الكاتب .
والذي سوف يصير بدوره خيميائيا مبتدئا ،ليؤكد لنا أن بداخل كل منا خيميائيا ينتظر أن يتم عمله العظيم بتنقية روحه من الشوائب وصولا إلي معدنها النفيس الذي لا يبلي ولا يشقي صاحبه .
يختبر باولو كويلو صبرنا في البحث عن معني العنوان أو الشخصية التي تجسده ، فيوهمنا أن الفتي هو الذي سوف يصير خيمائيا ،ليفاجئنا بالرجل الإنجليزي الذي يظهر في ص89 يحمل كتب الخيميائي ويدعي أنه خيمائيا يبحث عن آخر اكثر علما ، ليأتي الخيميائي العربي العالم في ص141 ….ليؤكد علي أول درس في تحقيق أسطورتنا الشخصية وهو الصبر وعدم التسرع في الحكم علي الأشياء بظواهرها فقط .

الغلاف :
—————
مشهد بين الغروب والشروق يطل علي الصحراء الواسعة والإهرامات العتيقة والتي بدورها تحكي حكاية الزمن دون ملل أو كلل

احداث الرواية (ملخص ):
—————————
تدور القصة في “أسبانيا” وفي الريف الأندلسي تحديدا ، حيث يقطن راعي صغير يدعى “سانتياجو”الذي تعرف الى إبنة تاجر القماش والتي دهشت لمعرفته بالقراءة. فأخبرها أنها كانت رغبته عندما كان صغيرا أن يكون رحالا متجولا بين البلدان ولكن والده رفض وقال له إن الرعاة هم من يرتحلون فقط . لذا قرر أن يصبح راعيا,وكان يرتحل بين أرياف الاندلس، وقد حلم يوما بكنز مدفون بجانب الأهرامات المصرية ، وقد كان الحلم واضحا ودقيقا جدا ، لدرجة أن “سانتياجو” شعر عند إستيقاظه أنه يعلم بالضبط موقع الكنز. ومن يومها والراعي الصغير في صراع مع فكره ، هل يذهب في رحلة للبحث عن الكنز أم يظل في بلاده ، ويستمر في حياته وعمله كراعي؟ ثم تكرر الحلم فذهب لإستشارة عرافة غجرية لم تفده بشيء جديد غير التأكيد علي وجود الكنز وطلبت مقابلا لتأويلها الهزيل عُشر الكنز عندما يجده .
ثم يقابل “سانتياجو” ملكا غامضا يدعي (ملكي صادق ملك سالم )، تحدثا لبرهة ، قبل أن يخبره الملك بأنه نجح في اكتشاف “أسطورته الذاتية” ، وأن على “سانتياجو” أن يتبع “أسطورته الذاتية” حتى النهاية ، فهذا هو الإلتزام الحقيقي ، الذي ينبغي على المرء أن يشغل كل حياته فيه.
ضرب له الملك مثلا بمن علم أسطورته وتخاذل عنها (كبائع الفشار ) ومن سعي وراء تحقيق أسطورته حتي أعياه السعي فإستسلم وتركها في اللحظات الأخيرة وهو علي بعد خطوة من تحقيقها (كالمنقب عن الزمرد )
فكر “سانتياجو” في حديث الملك ، ثم قرر أن يتبع ما يمليه عليه قلبه ، وبذلك بدأ رحلة خطيرة للبحث عن الكنز. باع قطيع الغنم الذي يملكه ويمم وجهه صوب أفريقيا ، لكن الشاب الصغير لم يلبث إلا أن سرقت منه جميع نقوده الذهبية ، ووجد نفسه وحيدا مكتئبا في الشوارع ، وفكر أنه كان أحمقا عندما قرر أن يتبع أحلامه ، وبعدها استطاع أن يلتحق بوظيفة عند تاجر كريستال ، ليتسني له توفير بعض المال حتى يستطيع الرجوع مرة أخرى لمنزله وبلاده.
وبعد ما يقرب من عام ، قضاه “سانتياجو” في عمل ناجح ومزدهر مع التاجر ، استطاع أن يوفر الكثير من المال ، يستطيع أن يفعل به أي شئ قد يرغبه ، وعندما قرر العودة مرة ثانية إلى بلاده ، توقف فجأة وقرر أن يجرب حظه مرة أخرى ، ويكمل بحثه عن الكنز المدفون.
إنضم لقافلة كانت في الطريق لعبور الصحراء الخطيرة ، وقضى الأيام الطويلة البطيئة في التفكير ، وفي الإستماع لصوت قلبه ، ولصوت الصحراء. بدأ “سانتياجو” يفهم أن للعالم روحا ، وأنه جزء من هذه الروح ، وأنه يجب عليه أن يدرك دوره بشكل جيد.
يسير سانتياغو مع قافلة في طريقها إلى مصر ليقابل رجلاً إنجليزيا عالما بالخيمياء و هو علم تحويل الرصاص إلى ذهب و يسافر ليبحث عن عالم يقال أنّه بلغ من العمر مائتي عام و يملك حجر الفلاسفة و أكسير الحياة و لم يكن سانتيجو يعلم ما هي الخيمياء
و في الطريق تجتذب الصحراء سانتيجو بهدوئها و اتساعها و كيفية تحولها من مكان فسيح لا حدود له إلى سجن ضيق عندما تنشب الحرب بين القبائل العربية و يُحتجز الشاب في الواحة
ليقابل إحدى الفتيات (فاطمة )، ليقع في غرامها من النظرة الأولى، فاطمة الفتاة العربية الحالمة المتمردة التي تحمل صبر وشهامة الفتاة العربية ، وكذلك الجرأة وقوة الشخصية ،فاطمة المحبة و المحب شجاع وفاطمة هي الشجاعة بذاتها ،فاطمة التي تأسره و تشجعه ليسير في طريق حلمه من جديد .
توحد سانتيجو مع الصحراء فأخبرته أسرارها وباحت له بلغة الطير التي علم منها خبر الفرسان الذين سوف يخرقون قانون الصحراء ، ويعتدون علي الواحة التي تعد منطقة محايدة وقام بتحذير شيوخ القبائل وكوفئ علي ذلك بجعله مستشارا للواحة
أصبح “سانتياجو” حكيما – على الرغم من عدم معرفته بتلك الحقيقة – وتعلم ببراعة كيف يعيش الحياة بأفضل ما يكون ، مهما جرى من ظروف. وقرر أن يتابع رحلته وحلمه إلى النهاية
ثم يقابل الخيميائي العربي الشهير ، ولا يدري “سانتياجو” لماذا ذكره مرأى هذا الرجل بـ “ملك سالم”. ساعد الخيميائي الشاب على مواصلة رحلته عبر الصحراء ، وطوال الطريق كان يعلمه دروسا هامة عن الحياة. ساعده في فهم النفس الكلية و سر الكون الذي هو سر واحد في النهاية فكل شيء هو واحد، و كل إنسان يحمل أسرار الكون في داخله و ما يلزمه هو التأمل فقط و فهم العلامات وعلمه الحقيقة الكلية والتي تتمثل في ان كل ما هو مكتوب تخطه يد واحدة لها العلم الكلي وتتحلي بالعدل المطلق .
إضطرسانتيجو لترك حبه الحقيقي وراءه في الواحة.ليسافر -رغم إشتعال حرب القبائل -مع الخيميائي إلى الأهرامات و في الطريق يقعان أسيرين لبعض الفرسان المقاتلين و الذين يظنون أنهما جاسوسين فيبادر الخيميائي بالقول أنّ سانتياغو هو الخيميائي و يستطيع التحول إلى رياح خلال ثلاثة أيام.
يضطرب الشاب و لكنّه يستجمع قواه و أفكاره و أحلامه و بعد تأمل طويل في الصحراء و صمت عميق يتوحد مع الكون ليتحدث مع الصحراء والرياح و الشمس و تعصف الرياح من أجله و يصبح أسطورة للرجل الذي تحول إلى رياح، فكل من يسير في الطريق إلى أسطورته الشخصية يعلم ما يحتاج إليه و يستطيع فعل كل ما يلزم ليصل إلى ما يجب عليه فعله
يكمل الشاب السفر مع الخيميائي الحكيم الذي يحول الرصاص إلى ذهب و يتقاسمه مع الشاب و راهب الكنيسة القبطية في مصر لإعتناءه بالحجيج و ينفصلان على مقربة من الأهرام ليصل إلى مكان حلمه القديم وبعد عدة مغامرات وأخطار والعديد من الدروس التي تعلمها “سانتياجو” ، وصل الراعي الشاب أخيرا إلى أهرامات مصر. غمره الشعور بالفرح لأنه أخيرا بلغ نهاية الرحلة ، وشعر بالإمتنان لأن الفرصة أتيحت له ليتبع حلمه.

ثم بدأ يحفر في الرمال بحثا عن كنزه ، وقبل أن يبلغ عمقا كبيرا ، يقابل قطاع طرق يظنونه يملك كنزاً و يسرقون قطعته الذهبية و يوسعونه ضربا مما يضطره أن يحدثهم عن حلمه و سفره الطويل فيسخرون منه و يخبره قائدهم أنّه و في هذا المكان الذي يحفر فيه قد رأى حلما مرتين عن شجرة جميز عملاقة بين أنقاض كنيسة قديمة في إسبانيا تخبيءكنزا ، للتتفجر المفارقة ، فيضحك بشدة مدركا حكمة القدر .

ترك الراعي مصر ، ورجع إلى بلاده ، حيث توجه إلى الشجرة التي حلم تحتها برؤيا الكنز ، بدأ “سانتياجو” يحفر بحماس وترقب شديدين ، وطالعته في النهاية خزينة أثرية مليئة بالذهب والجواهر.
و عند سؤاله للملك عن سبب عدم إخباره بمكان الكنز منذ البداية أجابه أنّه لو فعل لما سافر عبر إفريقيا ليرى الأهرامات.
تنتهي رحلة الثقل والمعرفة …لتبدأ رحلة الإستقرار والحب مع حبيبة سانتيجو الصابرة فاطمة .

الشخصيات :
—————-
*الفكرة الرئيسية ، الشخصية الرئيسية (البطل الرئيس وخلفية الاحداث ):
شاب إسباني يعمل راعياً ويقرأ بنهم، يقرر أن يتبع حلمه الذي رآه في ليله مقمرة تحت شجرة جميز بين أنقاض كنيسة قديمة. يسافر الشاب “سانتياغو” من مدينته “طريفه” في إسبانيا إلى “طنجة” و منها إلى الأهرامات بحثاً عن كنز أحلامه تدور معظم الأحداث حوله.

* الشخصيات المعينة :
الأب ….إبنة تاجر المنسوجات ….العرافة الغجرية ….ملك سالم(ملكي صادق )…(بائع الفشار…المنقب عن الزمرد)…. الخيميائي الإنجليزي …فاطمة …. الخيميائي الكبير
غير أن هذه الشخصيات الفرعية التي ظهرت أثناء تعاقب الفصول لا تقل أهمية عن الشخصية الرئيسية، لأنها جاءت لتؤكد بصورة أو بأخري أيدولوجية الرواية عبر الحكم التي وردت على ألسنتها، والمواقف التي ربطتها بالشخصية الرئيسية بحيث أكملت المشهد بشكل يخدم الفكرة التي تسعى الرواية لإيصالها.
* الشخصيات المعيقة :
لص الميناء بطنجة – زعيم الفرسان المهاجمين للواحة – الفرسان من القبائل المتناحرة بالقرب من الجيزة – اللصوص عند الإهرامات
لم تكن هذه الشخصيات معيقة للأحداث أكثر منها حلقات ربط وصلت أفكار النص، وأكدت علي رسالته الأساسية ، كما أنها كانت محركا ومحفزا (زاد النص إمتاعا )لما يأتي كرد فعل لأدوارهم في الرواية .

١- اختيار اسماء الشخصيات ودلالتها
سانتيجو …. عندما ذهب باولو كويلو لإسبانيا عام 1986، عبر طريق سنتياغو وقد كان هذا العبور نقطة التحول في حياته التي وصفها في سيرته الذاتية الحاج والتي سرد فيها تفاصيل رحلة الحج التي قام بها سيرا لمقام القديس جايمس في كومبوستيلا والتي كان لها التأثير الأكبر على الرواية التي تلتها الخيميائي. فإسم بطل القصة هو سنتياغو، نفس اسم الطريق الذي عبره.
وسانتيجو هي عاصمة شيلي ومعني الإسم إصطلاحا سميت على اسم القديس جيمس. بالإسبانية، سنتياغو تتألف من كلمتين:سان (قديس) وتياغو (جيمس).

٢- العوامل الخارجية المؤثرة في الشخصيات وسلوكها :
لا يحفل كويلو كثيرا بالتفاصيل، فلا يرهق القاريء بتفاصيل مملة وطويلة للأمكنة والشخصيات بقدر ما يعمد الى تصوير المشهدية الكلية لهذه الأمكنة والشخوص كما يراهم سانتياغو الحالم بعيونه، و كأنّ العالم تحالف لأجله و لتمهيد طريقه إلى حلمه فالعلامات التي ترشده إلى دربه تتجلى في كل مكان و في تفاصيل كل حديث يدور طوال رحلته من إسبانيا إلى الأهرامات و التي استغرقت حوالي العامين .

2-الحبكة القصصية :
————————
تميزت الحبكة القصصية في نص الخيميائي بوحدتها وترابط أحداثها وتطوراتها التي جاءت منطقية ومتسلسلة بعيدا عن الإفتعال و المغالاة ، اللهم إلا بعض مشاهد الخيال الفنتازي التي سيطرت علي بعض الأحداث .كحديث سانتيجو مع الصحراء والرياح والسماء ص172 وحتي ص182
الرواية تقليدية المنهج حيث أنها تكونت من بداية ثم عقدة ثم صراع مؤديا إلي النهاية .
الأحداث كان ترتيبها منطقي حافلة بأنواع الصراع المختلفة سواء كان صراعا داخليا بين سانتيجو ونفسه ومعتقداته وما يتعلمه ويخبره من رحلته ،او صراعا خارجيا بين سانتيجو والشخصيات المعينة والشخصيات المعيقة ، والتي زادت الحبكة تعقيدا منذرا بلحظة الإنفراج أو التنوير في ختام الرواية .

الخلفية الفلسفية للنص الأدبي :
————————————
أولا : هناك بعض المصطلحات الاساسية التي دار حولها النص الأدبي منها :
(النفس الكلية) والذي يعني أن الكون بمكوناته هو من صنع يد واحدة تتحدث لغة واحدة بمعني أن الكل واحد أوحد .
(الأسطورة الشخصية) والذي يعني أن لكل إنسان قصته التي كتبتها الأقدارورسالته التي وكِل بها وعليه أن يبحث عنها ويسير في الحياة ليقوم بها ، فإن فعل ذلك تضافرت جهود الكون لتمكنه من فعل ذلك والتي تتلخص في قول الكاتب ( إنها ما تمنيت دوما ان تفعله )
( اللغة الكونية) وهي التي يفقهها القلب والعقل عند إتحاد النفس البشرية مع الكون بكل معطياته وتجلياته ،وإستشفافها بكل حواسنا وتأملها لنتعلم لغتها التي تخبرنا بها عن ما خفي عن عيون الأخرين .

ثانيا : رؤي علي هامش القص :
• الصوفية والوجودية
• الرواية انتهت بمكان ما بدأت ….في إشارة واضحة إلي رحلة الحياة التي تبدأ من الغيب والمجهول لتنتهي بنفس الغيب والمجهول ، كما أن مراحل عمر الإنسان أيضا تتتابع لتصل لقمة النضج في الثلاثين من العمر لتبدأ رحلة التضاؤل والعودة في توصيف لكلمة عامية نستخدمها (مكبرنا مصغرنا )
وأيضا أن الحياة والموت ما هي إلا بدايات متعاقبة بلا نهايات حقيقية .
• “وفجأة شعر أن بإمكانه أن ينظر للعالم إما من خلال نظرة ضحية السارق البائسة، أو من خلال نظرة المغامر الذي يسعى وراء كنز” الزاوية التي ننظر بها لأنفسنا هي التي تحدد شكل المضي قدما في حياتنا ،فإما أن نأسي علي ما فاتنا أو نلتفت لما نملكه طارحين حنين الماضي، بإقدام المغامر الذي ليس لديه شيئا يخسره علي طريقة (قد فاز باللذات كل مغامر )
• لا يدرك الإنسان قيمة ما لديه حتي يري غيره ويخبرأحوال الناس ،إن ما تعتاده أعيننا قد يخفي جماله عنا ليراه الغرباء الذين لم تألف عيونهم سر روعته وجماله .
• إن الإنسان اذا لم يفكر ويتامل ويتدبر صار مثل الأنعام التي لا تفكر إلا في الماء والغذاء والتزاوج و ليس لهذا فقط خلق الإنسان .
• الثراء في الرواية ليس ثراء المال …فنحن نري سانتيجو يحرز المال والثروة مرارا وتضيع أو تسلب منه مرارا ، والذي يثريه حقا ثراءا لا يرحل ولا يسلب هو العلم والخبره وفهم النفس وأسرار الكون ،في تعددية لمفهوم الثراء و الرزق الذي لا ينحصر فقط في المال وحسب
• اكبر خديعة في العالم ص40 أن حياتنا مسوقة بالكامل بشكل قدري بحت لا مساحة فيه للإختيار والقرار ،وهذا يتنافي مع مبدأ الإرادة الإنسانية والعدل الذي يكرس لمبدأ الثواب والعقاب .
• يجب ان ننتبه لإشارات الكون كما يجب أن نتعلم كيف نقرأ رسائل الله …. فكما أن هناك ما هو مرئي فهناك ما هو غيبي ،والمرئي هو نصف الصورة التي لن تكتمل إلا بإيماننا بالنصف الآخر وهو الغيب وهذا أصل العلم واليقين .
• لا تتخلي عن حلمك ابدا وإن تعقدت الامور وأصابك التعب والوهن فربما يأتي بعد هذه اللحظة بالذات الخلاص ويتحقق الأمل (فإن أشد الساعات ظلمة تلك التي تسبق طلوع الشمس )(قصة المنقب عن الزمرد )

• إن التركيز علي البحث عن السعادة يجعلنا تعساء ،لأنه يغفلنا عن السعادة بما لدينا وما حولنا فعلا ، لذا وجب علينا التنقل والتمتع والترحال دون ان يؤثر ذلك علي ما يصلب إرادتنا من يقين ومبادئ و أخذ بالأسباب وإلا ضللنا الطريق (قصة الفتي والحكيم )ص52

• في حياة ل منا نقطة حرجة يكون فيها القرار حاسما محددا وجهة الحياة ،إذا اخطئنا في إتخاذ القرار الصحيح فقد ندفع ثمن خطأ إختارنا العمر كله .

• أنت إشارة لغيرك وغيرك إشارة لك ، كلنا قطع تكمل أحجية الكون ص74

• وحدة الهدف كالرغبة في السلامة والفوز تجمع المختلفين ص96

• كل شئ في الكون يخضع للمنطق ،وإذا رأينا غير ذلك في وقت ما ،فذلك لأننا نري جزء من الحدث أو الحياة وليس الحدث ككل ولا تكتمل الصورة إلا بإكتمال الحدث أو الحياة ،فإذا نظرنا نظرة واعية شفافة رأينا منطقية الحياة جلية واضحة ص107

• لماذا يوجد أسئلة في الكون بلا اجوبة ؟لماذا يتحدث العالمين ببواطن الامور لغة غير مفهومة ؟؟ ذلك لأن الأجوبة موجودة ولكن لن يقرأها إلا الأجدر بقرائتها ، ومن يملك الإستعداد لتحمل مغبة المعرفة فقد يكون من الجيد إخفاء بعض الحقائق وعدم إدراكها لبعض الوقت . لو علمتم الغيب لأخترتم الواقع .

• (العالم يتعلم بأكثر من لغة ) ص112 الإختلاف سنة الحياة فلكل منا طريقه ، وإن إختلف الطريق فالهدف واحد ونقطة الوصول واحدة ،لذا وجب علينا ان نتفهم الأخر ونقبل الإختلاف الذي يعد من أهم أسباب دفع الناس لبعضهم ومن دونه لفسد الكون وفسدت الحياة .

• أعلي الطاقات الكونية والروحية الإيجابية هي الحب الحقيقي ص152…الذي لا يبلي ولا يتغير (فالصحراء تظل صحراء لا يتغير فيها إلا الكثبان بفعل الرياح ) ص124

• وما السراب إلا ما نتوهمه ونتمناه ص127

• كيف يمكن أن نتنبأ بالمستقبل ؟؟ مدي فهمك لإشارات الحاضر تحدد مستقبلك هنا يكمن السر ص129

• لم يستخدم الفتي حجري اوريم وتوميم لمعرفة إشارات طريقه ولا إجابات أسئلته و إنما اعتمد علي نفسه ، بالعمل آخذا بالأسباب التي توصله إلي هدفه ، والمغزي أن الحظ والصدف القدرية قد تكون معينة ولكنها ليست كافية للوصول إلي الهدف المنشود من الحياة .

• إن تقلب القلب وشعوره بالألم والخوف إنما هي دليل علي انه لا زال حيا وهي طبيعته التي لن تتغير ولا يمكن تجاهلها بل يجب تفهمها و التعايش معها

ا)آليات السرد في رواية الخيميائي :
———————————-

1- لغة الخطاب السردي :
المشهدية التصويرية تسيطر علي معظم فصول الرواية ،فهناك الصحراء التي لها لغتها التي تسكن ألسنة المتحدثين عنها، والسماء بصقورها، وعيون فاطمة، وخيام القبائل، وحركة القافلة، كلها تفاصيل صورتها اللغة بشكل جمالي يضفي قيمة تذوق آخر للرواية.

2- لغة الخطاب المنقول عن لسان الشخصيات :
لا يلجأ باولو كويلو إلى الحوارات الطويلة والمملة، بل يستخدم لغة مقتصدة للتعبير عن تجربة فلسفية عميقة بإستخدام جمل مختصرة و مفيدة

3- لغة الحوار :
إستخدم الكاتب الديالوج وهو الحديث الدائر بين شخصيات الرواية والذي إتسم بالسلاسة والوضوح ،والذي عبربشكل جيد عن عمق الرؤية وقيمة القضية ولم يتعارض مع القضايا التي يطرحها الكاتب وذلك من خلال تقنية الترجمة الذاتية بإستخدام ضمير المتكلم .
كما إستخدم المنولوج في التعبير عن الحوار الداخلي بين الفتي ونفسه وبينه وبين الصحراء والرياح والسماء وغيرها وكذلك الحوار الداخلي بين الشخصيات وذواتها

د)البعد المكاني :
—————–
الرواية مليئة بالتنقلات والحبكات المثيرة الواردة كجزء من النص، أو خارج إطار النص سواء في رحلة الفتي سانتيجو من إسبانيا إلي طنجة ثم رحلته في الصحراء بكل القيم والمعاني التي تحملها والتي أثرت احداث الرواية ،حتي الوصول الواحة وحرب القبائل ثم الوصول إلي الجيزة ورؤية الإهرامات ودلالتها علي وشك الرحلة علي الإنتهاء متزامنة تزامنا دالا علي أكثر أوقات الرواية إثارة .

ز)البعد الزماني :
—————
من خلال السياق يتضح أنهما في الفترة القديمة، حيث كانت الأندلس لا تزال تعاني من الخوف من الغزو العربي كما وضحت ألفاظ صريحة لكاتب الرواية على لسان الراعي ، من حيث خوفه وتطيره من الرياح الشرقية التي تأتي من ناحية العرب تحمل معها رائحة الصحراء المخيفة و التهديد بالغزو ، حيث كانت أفريقية هي العالم الغريب الذي يزخر بكل ما هو مختلف ليتحدث عنه سكان أسبانيا .
كان البعد الزماني مؤثرا في تركيب الشخصيات وصفاتها و سير الأحداث

المآخذ :
—————-
• بالرغم من روعة وجمال النص وثرائه بالمشهدية التصويرية إلا إن النص يحتاج في بعض مقاطعه إلي التكثيف
كما جاء علي سبيل المثال في مقطع ص 53 ( إن سر السعادة هو في أن تشاهد كل روائع الدنيا ،دون ان تنسي إطلاقا نقطتي الزيت في الملعقة )والذي تلته جملة تقريرية يمكن الإستغناء عنها دون الخلل بالمعني (إستمر الراعي صامتا ، لقد فهم حكاية الملك العجوز ….نعاجه إطلاقا )

الختام :
————–

الخيميائي نص متكامل تقنيا وفنيا ،يحمل مفردات القص المتمكن في إنسيابية وشفافية في الطرح والتنقل بين الصور والمعاني وتوالي الافكار وتركيزها بقدرة مكنت الكاتب من الإحاطة بنبض النص والسيطرة علي أحداثه في ترابط يدعم الفكرة الرئيسية وهي رحلة الإنسان الواجبة للبحث عن ذاته وهدفه ورسالته في الحياة ،بإستخدام صور خيالية بسيطةو ومركبة وأسلوب يرتقي لوصف السهل الممتنع الذي يدعو للتأمل والتدبر باعثا علي البحث والتفكير .

نص يحتمل العديد من التأويلات والدراسات يقال فيه الكثير ،أبدع فيه الكاتب برؤية عميقة تستحق منا التوقف قليلا ومراجعة الكثير من حساباتنا في هذه الحياة .

تم بحمد الله .

قد يعجبك ايضا
تعليقات