بقلم-إبراهيم الديب
أحد نصوص كتابي” البيت القديم “
ليس بالطبع هذا التحدي نقاش أو شرح: لنظرية أو فلسفة المؤرخ التاريخ”ارنولد توينبي” في تفسيره للتاريخ وهي النظرية الشهيرة المعروفة “بالتحدي والاستجابة، ولكنه تحدي فى فرقتنا لفرقة: حارة مولد: أبو المعاطي في مباراة لكرة القدم ، والفوز عليها وهي أحد: حواري دمياط..
وأصل الحكاية أن كابتن فرقتنا الذي يسبقنا في العمر بعدة سنوات, وكثيرا من الخبرة و التجربة معها أيضاً بعض: السفالة، والتناحة غير المبررة في مواقف كثيرة ليوم يبعثون، أنه أتفق معنا أو أصدر أوامره الغير قابلة للنقاش أننا :سنذهب معه وسنشرف برفقته في رحلة لمولد” سيدي السيد أبو المعاطي” يوم الجمعة صباحاً.
الكابتن ابن التجربة على معرفة عميقة بقاع المجتمع وأسراره وشبكة علاقاته السفلية، لم يذهب الزعيم لمدرسة يوما ،ولكنه يسيطر علينا ونحن سعداء بذلك ،ونوافق عن طيب خاطر قيادته لنا ،وجميعنا لا يجد تفسير مقنع من جانبنا لهذا الترحيب، قد تكون كاريزما أو شعور منا أنه الأقوى ، بخلاف أنه يسبغ علينا حمايته : لرجولة مبكرة لن تخطئها عينك تظهر من خلال تصرفاته وخاصة وقت الخطر والأزمات التي نتعرض لها دوماً، يعمل الكابتن بورش النجارة بدمياط ،يتمتع بفطرة نقية، لا تنقصه الجرأة والدخول في معارك على مدار؛ اليوم مع كل من تسول له نفسه حتى لو بنظرة يفسرها الزعيم أنه لم يرتاح لها، وكثيرا ما نشب بيننا وبين صيع بعض الحواري صراع بسبب تفسير: الزعيم نظراتهم وعدم ارتياحه لها الكابتن فوق مستوى النقد ولا يجرأ أحدنا توجيه النصيحة له.
وصلنا حارة المولد ،كانت هناك مباراة كرة قدم ،تقام بجوار مسجد : سيدي السيد أبو المعاطي، والذي أعتقد أن هذا الرجل لم يكن: درويشا ،أو وليا أو صاحب كرامات, وشفاعات ترتجى، تجلب الرزق قبل؛ العافية والسعادة، كما يعتقد أغلب زواره الذي ألبس بعضهم هذه: المعتقدات لباس الدين جهلا بالعقيدة وأبو المعاطي، فقد قرأت عنه في السابق بأنه :من المجاهدين اللذين يقاومون ” جيوش الصليبيين” أثناء هذه الحروب هو وشخص آخر لا يقل عنه شهرة ومكانة : تحمل اسمه مدرسة تخليدا له و على مقربة من مسجد ابو المعاطي وهو” جمال الدين شيحة” ، لأن أغلب الحملات الصليبية تمر عبر نهر : النيل بفرعيه رشيد، و دمياط وخاصة الاخير ..كما قرأت في كتب التاريخ التي تناولت هذه الفترة وألقت الضوء على أحداث هذه بالتفصيل، أتذكر منها كتاب المؤرخ “عبد العظيم رمضان” بعنوان الصراع بين العرب أوربا” .
فكانوا بعد احتلال مدينة دمياط لأنها أول ما يقابلهم من اليابسة يقيمون بها…بعد ركوبهم البحر واهواله، وصراعهم مع أمواجه لفترة طويلة، لتبدأ حروبهم على البر ،ومع القوة المنوطة بحماية الثغر، فكان سكان المدينة يحرمون الفرنجة من هذا اللقاء غير المتكافئ بانسحابهم من أمام الصليبيين لداخل الدلتا بعد عدة مناوشات على أطراف المدينة ، في انتظار المدد الذي يأتي من القاهرة ولا يتأخر كثيراً ،يحول الغزاة بعدها مسجد عمرو بن العاص : لكنيسة حدث ذلك مرات ثلاث خلال أحداث هذه الحروب المتكررة على مدار قرنين من الزمان…
فتقادم هذا العهد على سكان المدينة ومنها بالطبع سيرة “سيدى أو المعاطي” فتحول من محارب ومجاهد ، إلى ولى بعد أن :تعيد الثقافة الشعبية إنتاجه من جديد, بعد أن يختلط الشعبي بالمقدس والديني بالأسطورة التي لا تكف عن: اسطرة العادي والبسيط من الأحداث حتى يستحق في نفوس البسطاء أن يكون سيدي “السيد أبو المعاطي ‘مكانة مقدسة تؤهله لشفاء المرضي وقضاء الحاجة لأهل المدينة بعد أن تخلع عليه المخيلة الشعبية كرامات لا يعلم عنها الرجل شيئا على الاطلاق , كما يحدث فى القطر المصري بأكمله وداخل أدمغة الناس، وخاصة البسطاء منهم، فتحول مدفن الرجل ، لمزارا لشفاء الأمراض وقضاء الحاجات والنذور والتبرك بزيارته.
ليس هذا موضوعنا نعود للمباراة التي كانت مقامة بين فرقتين من ؛حارة المولد والتي يبدو أنها: على تحد كبير بين الفرقتين بعد أن شاهدنا حشود :لجماهير الفرقتين يحمسون لاعبيهم و يتبادلون الهتافات البذيئة ،السافلة فيما بينهم، سيطرة علي نفوسنا نحن أيضا احداث المباراة وشغفنا بمجرياتها وتحيزنا لفرقة دون الأخرى، دون شعور منا لارتفاع مستوي تلك الفرقة في الاداء ، كانت هذه رغبتنا جميعاً والتي وافقت : رغبة كابتن فرقتنا و زعيمنا النفسية الذى لا يستطيع أن يكون على الحياد في أي شيء منذ أن خلقه الله، فهو دائما ؛ وأبدا مع أو ضد ،يعلنها صراحة مرحباً بالصدام مع كل من تسول له نفسه ، أما نحن فخلف القائد وعلى الدرب سائرون فهو إمامنا في رحلة المولد ،والحلاوة ،والحمص فقد جمع منا النقود قبل أن تنطلق القافلة.
يبدو أن تشجيعنا لفرقة منهما لم يعجب ولم يتقبله مشجعو الفرقة الأخرى، فتحرشوا بكابتن فرقتنا لفظيا ،وقال أحدهم موجهاً حديثه للزعيم :لم يعد إلا أنتم يا فلاحين تشجعون الكرة، وضد فرقتنا، و هنا على أرضنا ثم تمادت جماهيرهم بالغمز واللمز والسخرية منا ،أعتبر قائدنا أن هذه إهانة لن يقبلها ،فطلب منهم علي الفور بحدة وتحدى وأيدناه فى قراره الذي اتخذه بثاقب فكره دفاعا عن كرامتنا المهدرة وقال : نحن علي أتم الاستعداد أن نلاعبكم هنا ونثبت لكم أننا أحرف منكم، وعلى أرضكم ، وسنهزمكم هنا في حارتكم و أمام جماهيركم كان حديث أو طلب قائدنا على مسمع جماهيرهم ،لم يكن فى استطاعة كابتن فرقة حارة العيد رفض تحدى زعيمنا.
فقبلوا التحدي ولكن بشرط :طلبه زعيمنا وهو أن :نلعب علي النقود التي فى جيوبهم ،ثم أخرج كابتن فرقتنا كل فلوسنا التي جمعها منا جميعاً قبل انطلاقها لحارة المولد، وسلمها لحكم المبارة، أسقط في قلوبنا بسبب مع قام به الزعيم، ولكن ليس بيننا من يستطيع الاعتراض كانت هذه إحدى :مغامراته بعد أن أصبحت فلوس : الحمص وحب العزيز والحلاوة في خطر داهم،ف احتمال خسارة المبارة ليس مستبعد والكرة كما يقولون ليس لها كبير، وتذكرنا جميعاً إخوتنا الصغار اللذين ينتظروننا: العودة بالحمص وحلاوة كسر القدوم …
بدأت المباراة ستة أفراد في منافسة نفس العدد.، كنا أحرف منهم وأشد تماسكا ،وأفضل انتشارا في الملعب ونجحنا بفضل ذلك علي انتزاع آهات جماهير حارة المولد ، بدا من سير الاحداث أن فريق حارة المولد ؛كان بين لاعبيه وجماهير الحارة ثارا أو مشاكل قديمة وخلافات من التي بين فرق الحواري ، فأخذت جماهيرهم : تشجعنا ضدهم كما يفعل جماهير الزمالك مع الأهلي أثناء لقاءاته مع الفرق الإفريقية ،و مما زاد حماسنا و جعلنا نسيطر علي المبارة نتيجة ،ولعبا وكنت أنا صغيرا، نحيلا ، قصيرا حريفا، كما وصفني أحد مشجعي: حارة المولد, وصلت وجلت في الملعب وكنت ألوح للجماهير بعد محاولتي تقمص هيئة وشخصية محمود الخطيب المجنون بأدائه وطريقة لعبه كنت أقلده برفع ذراعي القصرتين نحوهم ،كانوا يطلبون منى أن أفعل ما هو أكثر من ذلك :لإغاظة جماهير ولاعبي الفرقة المنافسة لنا . وعندما انتهت المباراة بصفارة الحكم الذي: أعطى النقود لكابتن فرقتنا الذي لم يكف عن الصراخ من شدة الفرح ويضرب الهواء بزراعبه حتى ظننته سيصيبه شيء من الجنون، ثم انطلقنا للمولد ،وقمنا بشراء الحمص وحب العزيز وحلاوة المولد, أكد لنا الزعيم بعد عودتنا ونحن نتناول سحلب على حسابه في المقهى ابتهاجاً بالنصر أن: فوزنا علي حارة المولد لا يقل عن فوز الأرجنتين على هولندا في نهائي كأس العالم ٧٨ ..