القاهرية
العالم بين يديك

طوفان الأقصى

442

بقلم_ سالي جابر

استيقظت حين داعبت الشمس وجنتيها العابثين وعيونها الغاضبة، حينما فرضت الشمس حصارها على الأرض لتمنحها الدفء والأمل، وقفت أمام مرآتها تتأمل وجهها الممتليء شجن، وعيونها المتورمة من أثر الدمع وتساءلت: الحب الذي يعطينا إياه الكون ويحرمهم منه، هناك يقفون تحت لهب النار والذخيرة، يموتون كل يوم وليلة من أجل العزة، والأرض، من أجل شرف الوطن، من أجل الجنة، ونحن نستيقظ للعمل نقف ساعات أمام المرآة نهندم أنفسنا، تقف النساء لتضع حُمرتها على خدودها بينما هم يبكون على أطفالهم، والأطفال يبكون أهليهم، ونحن نبكي خوفنا من المستقبل.
ذهبت إلى عملها وهي ترتدي عباءة الخوف التي تخبيء في جيوبها الأمل، تفتقر هي إلى السعادة لكنها تعلم أن ما تملكه هو تعليم الصغار فقط كيف يكونون رجالًا، كيف ينشأون على العزة، وستحكي لهم عن القدس وعن طوفان الأقصى، عن النصر والخيبة، عن الأمل المخبأ تحت الأطلال كما الأطفال في فلسطين، عن أطفال لا يحلمون بالغد لأنهم ميتون، عن شجاعة أم تُدثر أبنائها رداء الموت وتلقي بهم في التراب بأيديها دون صرخة اعتراض، عن الحور التي أرادت الموت وسألت أبيها: ” هل عندما أموت سيظهر لي جناحان وأحلق؟ أريد أن أرى الأقصى من فوق” عن حلم يوسف ذو الشعر الأصفر والعينان العسليتان صاحب الحلم الجميل، الذي غدا حلمه في اللحد كما صار جسده، عن أمل أمة عن وعد الله – الحق-
مضت الأيام ونحن نحارب فكرة وندعم أخرى، ونعزز ثالثة ونرفض رابعة، نحزن ونبكي ونرثي، ننفعل ونثور ونستشيط غضبًا لما نرى على الشاشات، نقاطع منتجات ونرفض سلع، واليوم نسينا كل ما كان وأخذتنا اللهفة إلى الحياة السابقة، نسينا بكاء أم، صرخة طفل جائع متألم، دموع أب، أكفان تغطي أجساد دامية، ونزلنا إلى الأسواق نشتري ونفرح ونلهو

في عملها وعند انتهاء طابور الصباح وتحية العلم المصري وغناء النشيد الوطني، في صفوف مرتبة صعد الطلاب على سلالم المدرسة لدخول صفهم، وفي هدوء ممزوج بدردشات الأطفال أخرجوا الكتب من الشنط، بينما كتبت هي على السبورة ” طوفان الأقصى” و أغلقت كف يدها واحتدمت على مكتبها الصغير بطرقات ثلاث تعني الانتباه، نظروا إليها جميعًا لا يفهمون ما هذا الطوفان، وفي صمت استغرق ثواني قالت:” من منكم يحكي لنا عن الأقصى ؟”
لم يجبها أحد وكأن ثقافتنا وتعليمنا في هذا الوقت العصيب لا تمنحنا سوى أن نكون جهلاء أكثر من المطلوب، لا نقتطع من وقتنا لنحكي عن واقع مذموم، لنُحيي في أطفالنا العزة ونمنحهم القوة، فقالت: المسجد الأقصى هو أكبر مساجد العالم وأحد المساجد الثلاثة التي يشد إليها المسلمون الرحال، وهو أولى القبلتين في الإسلام، يقع بالقدس في فلسطين، ذُكر المسجد الأقصى في القرآن: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء:1]
ورد في أحاديث النبي محمد بأن بناءه كان بعد بناء الكعبة بأربعين عامًا، فعن أبي ذر أنه قال: «قلت: يا رسول الله! أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة» حديث مسلم عن أبي ذر الغفاري.
فرفع يده أحد الطلاب وقال: ولماذا سُمي بالأقصى؟
كلمة «الأقصى» تعني الأبعد، وسُمِّيَ الأقصَى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام، وكان أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض يعظَّم بالزيارة.
وسُمي أيضًا بالبيت المُقدس، وتعني المبارك المطهر.
يُقدّس اليهود أيضًا المكان نفسه، ويطلقون على ساحات المسجد الأقصى اسمَ «جبل الهيكل» نسبة إلى هيكل النبي سليمان، وتُحاول العديد من المنظمات اليهودية التذرع بهذه الحجة لبناء الهيكل حسب مُعتقدها.
فقام أحد الطلاب وقال: وهل يمكنهم هدم المسجد؟
لقد تعرض المسجد للزلازل أكثر من مرة. وتمت إعادة بنائه، وتعرض للحرق على يد يهودي استرالي عام 1969 اعتقادًا منه أن حرق الأقصى يعجل بالمجيء الثاني بالمسيح، مما يعجل إعادة بناء الهيكل اليهودي، وفي سبتمبر عام 2000 قامت انتفاضة الأقصى حينما رأوا مسلحين يمنعونهم من الدخول، وعام 2017 تم منع الصلاة داخل المسجد إلى يومنا هذا لحين إشعار آخر.
انتهت الحصة ولم ينتهِ الدرس، ولن نغدو دون أمل، فقد عهد المسلمون ألا نبرح حتى نعود بأقصانا.
وهي في طريق عودتها حملت هاتفها لترى عبر الشاشات الأخبار وترى من المشاهد ما يُدمي قلبها، وينتهي اليوم وتسرح بخيالها لحين إشعار آخر.

قد يعجبك ايضا
تعليقات