د.فرج العادلي
المشكلة:
نحن أمةٌ مؤجلةٌ إلى يوم الموعد، والأمة الأخيرة تشمل جميع الأمم الحالية من مسلمين، ويهود وغرب وشرق، لأن رسولنا الكريم أُرسِلَ للناس كافة، فأصبح الجميع من أمته – سواء من آمن منهم ومن لم يؤمن-
وبهذا يكون الكل آمن من العذاب والعقاب في الدنيا، لا كما كان يحدثُ مع الأمم السابقة من خسف، ونسفٍ، وغرق، وهلاك، وطيرٍ أبابيل، والله تعالى لا يخلف الميعاد مع العباد.
إذن ماذا سيحدث؟
لا شيء، إلا أن نأخذ بأسباب النصر، وسننه، وشروطه، وننوي الضحية بالمال والنفس، والنفيس، ونترفع عن كل نقيص وخسيس، لكن أن ننتصر نصرًا خالصًا من عند الله لا شوك ولا سن فيه، فلن يحدث.
والدليل: قول الله تعالى: ﴿.. وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ.. ﴾
إذن هل يستوي المؤمن وغيره، المجاهد والمحتل المختل المجرم ؟
كلا وألف كلا.
قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ، (سَیَهۡدِیهِمۡ وَیُصۡلِحُ بَالَهُمۡ)،(وَیُدۡخِلُهُمُ ٱلۡجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمۡ، ﴾
إذن كما قلنا أن الجزاء في الجانب الآخر يوم التناد، والمعاد، يوم المحشر والمنشر.
فقتلانا في الجنة وقتلاهم في الجحيم والعذاب المهين.
الحل:
لذلك يجب علينا أن نستحضر غزوة بدر، وغزوة أحد، ونتأملهما طويلًا بالفحص والدرس.
ففي الأولى: نصر كاسح، وفي الثانية نصف هزيمة أليمة، والأسباب معروفة مأسوفة.
وكذلك الأمر في مؤتة، والقادسية، واليرموك ونهوند، وبلاط الشهداء، ووادي لكة، وملاذكرد، وحطين، وعين جالوت، والسادس من اكتوبر، والسابع من أكتوبر.
فالجميع مشتركون في أنهم عَبروا أنهار الموت، واقتحموا حصون الدم والهلاك، وتسلقوا جبال الحزم والعزم، وتصدوا لطوفان الألم والجراح، وصبروا صبرًا حارت فيه العقول والقلوب، فانتصروا نصرًا لا يزول شرفه وعزه وإن زالت الجبال الراسيات.
من أي شيء نخشى؟
فالمعادلة بسيطة، إما نصرٌ، وإما شهادة.
وكلاهما حلم لكل حالم، ومطلب عزيزٌ لكل طالب، وأمل لكل آمل.
لا شك أن العمر سينقضي في وقتٍ محدد لا يزيد ساعة ولا يتأخرها.
وللحقيقة أنت من سيحدد الطريقة بنيتك الصادقة، هل تعيش حرًا، بطلًا، محاربًا، صامدًا، أو ذليلًا خانعًا، خائفًا، مرتعدًا، كلًا على دينك وأمتك، تأكل الخبز بالجبن المشؤوم، فتَورَمُ بسِمْنَةِ العار في كل منزل ودار.
والموت أيضًا
أنت من يختار كونه موتًا مرضا، أو تحت عجلات القطار من ساعة في ليل أو نهار، أو في ساحات الغوى والقتال، وبين لمعان الأسنة وبريق السيوف، وصيحات النزال، ونيل منازل الشهداء الأبرار.
وفيهما يقول عنترة:
لا تسقني ماء الحياة بذلةٍ * بل فاسقني بالعز كأس الحنظلِ
ماءُ الحياة بذلة كجهنمِ* وجهنمُ بالعز أطيب منزلِ
فكيف إذا كانت الجنة بالعزة ؟!
لا شك أنها هي الأطيب والأجمل والأكمل منزلًا.
بالمناسبة فاتني أن أقولك لك: مات جميع السابقين.
ولم يمت حمزة-ولا خالد- ولا علي- ولا سعد، ولا أبو عبيدة من الأبطال، والشهداء السابقين … ولا طارق، ولا الغافقي، ولا آلب أرسلان، ولا نور الدين، ولا صلاح الدين، ولا قطز… ولا أي أحدٍ من رموز الفاتحين.
ولا نتحجج
فإن كنت من المترفين فلست بمترفٍ كخالد وسعد، فكانا في ثراء فاحشٍ وما منعهما الجهاد والبسالة والبطولة والرجولة أن يكونا من المقتحمين لأعظم جيوش إمبراطورية الفرس والروم الغابرين.
وإن كنت من الفقراء المعدومين المندوبين المنهكين، فأين أنت من قطز الذي كان عبدًا مملوكًا يباع ويشترى في أسواق النخاسين.
أخي إن النصر من عند الله نعم، لكن له شروط ومن أهمها الأخذ بالأسباب كلِ الأسباب.
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾.