بقلم / علي شعــــلان .
استرجع “حلمي البسطاوي” _ و هو شاب مصري طامح و حالم ، يُعانق الآمال ، يُطلق البسمات ، كاره اللعنات.. في وجه العبوس و الأزمات، طيب القلب ، مُسبح الرب ، خدوم الرد، حيِّي الرد … لكنه فريد السرد ، و الأهم يُحب وطنه بمنظوره هو لا بمنظورهم هم! _ بعض الذكريات الحبيسة ، على هيْئة فلاش باك عن ميدان محطة مصر بالإسكندرية.
و كيف كانت المنطقة وَكْر ، كأصدق أصدقاء الفقر الحميمين . (يأتيها الناس من كُل حدب و صوب !). و الأحري أنها بُقعة موْبوءة بأعمال الكدح و خفة اليد و الشر أحياناً كثيرة ، ابتداءً من الشجار و الخناق بالسنج و السيوف، حتى النصب و السرقة و البلطجة بالإشارات و الأُنُوف (جمع أنف).
و لو كنت أعمى لتحسست فيها بالفهلوة المصرية على أبوه؟! . و ما آدراك ما الفهلوة المصرية. إستفسر عن المصريين من خرافيش أوروبا (الطليان) ، و سوف تتأكد بصدق إجابتي النموذجية من أهل (ميلان) ! .
ثُم إنخرط حلمي أكثر في ذكرياته عن الباعة المتسولين (بالقطع باعة ! ، يتفنن بالتمحيك في ضيّْك، و يشق طريقه إليك ؛ حتى تشق أنت ردائك و تعطيه حسنته ، جراء مجهوده على تتبُعك لا الدعاء لك).
بينما كان الباعة المُتجولون_المُتسمرون في أماكنهم_ يلتزموا بالصف حتى لا يشغلوا الطريق العام ، لكن بضاعتهم ترتكن في منتصف الميدان بذاته ! . فإذا حدث تكدس مروري فلا تلوموهم و لوموا أنفسكم ، هم في السليم ! .
يسترسل “حلمي” في ذكرياته و هيامِه، حتى أمسكه الواقع ، بصيْحات أحد أفراد الأمن في وجه سائق الميكروباص الذي يستقله
قائلاً “مفيش وقوف هنا، إلا و الغرامة( هتنحل وبرك) ، النظام، النظام …..” . كان طلقتين كلام بالحُب كده لزوم وقوفه في الممنوع ! .
في عهد الإدارة المصرية الحالية بقيادة الرئيس السيسي تم تطوير الميدان بِرُمتهُ؛ ليصبح بالشكل الحديث الكريم لما آل عليه الآن.
(من توسعة الميدان، تطوير محطة القطار، بناء مراكز تسوق آدمية الباعة و المُبتعين، توطين الخدمات مثل: نقطة الشرطة ، موقف مروري لسيارات الأجرة ، إنشاء مركز ترفيهي (فوود كورت، مع ملاهي صغيرة للأطفال )، و الأهم تعيين شركة أمن خاصة لمُتابعة سير العملية الكريمة هذه على أكمل وجه) .
لم يستشعر “حلمي” بعظمة الإنجاز المصري هذا لا بالصحف ولا بالطبل ، و لا بالإعلام و مزاميره ، و لا حتى من مقالتي هذه.. كل هذا بالنسبة له سُدي !.
إستشعرها حينما رأي أسرة بسيطة فقيرة الهيْئة، لكن قِنديلة (مصباح) النفوس،و عفيفة الرؤوس. في مشهد يطلب منهم الأب من أولاده أن يصطفوا جانبا لإلتقاط صورة، و هم مُبتسمون على خلفية واجهة المحطة .
ما أجملها صورة، و ما أطيبها بسمة ، و ما أحلاها مُناسبة . و من ذا الذي سابقاً ، يعقل أن يبتسم في هذه الخرابة؟.
أيقن “حلمي” في مشهد الأسرة بحجم الإنجاز منهم و بهم . و هل هُناك إنجاز لا يتنعم به صاحبه ، ولو كان نعيم معنوي؟! .
كُل الشكر إلى قيادتنا و إلى المسؤولين عنا و هم الكبار قامة و قيمة ، و شركائنا في حب الوطن معاً ، مهما إختلفت الرؤى.
أخيراً، بعد مرور الأيام مع التطوير النهائي للميدان . ذهبت لأتنعم بخيرات بلدي ؛ لأُملي عيني من جمالها الآن . و راودني بشدة أن
أبحث عن “حلمي” و الأسرة البسيطة ؛
ليستمتعوا معي بهذه اللحظات.
فجلست في سلسلة المطاعم و الكافيهات لأبحث عنهم بين رشفات القهوة (مُحلاه بكثير من السكر من ٤٦ إلى ٥٠ معلقة سكر ؛ بسبب مافيا الحياة أقصد بسبب مرارة البن فكاكيس !! ) و شطائر اللحم بالبصل . و بين رشفة من هُنا و قطمة شطيرة من هُناك لم أراهم أبدا .
أين هم و أين ذهبوا، هل إستقلوا القطار مُسرعين أم في محطة حياة أُخري أقصد محطة موقف آخر ؟! .
لذلك أسأل الله و أدعم مسؤولينا ، و يدي بأيديهم و كتفي بكتفهم ؛ حتى نجد “حلمي” و الأسرة البسيطة بميدان المحطة عند المُجمع الغذائي و الترفيهي الذي أجلس فيه ؛ حتى يشاركوني السمر و الضحك و الموائد.
و إنّْ طال الإنتظار ، أثق من وصولهم ، سأدعو لهم ، سأدعوهم . سأنتظر ،،،،