القاهرية
العالم بين يديك

قبيــــــــلة الفراشيش

324

متابعة عبدالله القطاري من تونس

تعتبر الفراشيش القبيلة الرئيسية في منطقة السباسب العليا ذات الخصائص الطبيعية الوعرة. و قد صنفتها الدفاتر الجبائية ضمن “العروش الكبار” لقوتها الديمغرافية، إذ بلغ تعدادها حوالي 47 ألف نسمة في أواخر القرن 19، فضلا عن اتساع مجالها الترابي. و تصنف أيضا ضمن القبائل المحاربة و المشاغبة جدا حسب تعريف قاموس تونس المصور الصادر سنة 1912 ، فقد تمكنت من المحافظة على سيادة مجالها بتصديها في العديد من المرات للقبائل الجزائرية و منعها من استغلال أراضيها للحراثة و الرعي أو للاستقرار كما وقفت في وجه القبائل المخزنية المحيطة بها مثل الهمامة في الجنوب و جلاص في الشرق و ونيفة في الشمال.
يعود الفراشيش إلى أصول غير عربية و هي أصول تعود إلى الفترة الرومانية أو البيزنطية و ربما لفترات سابقة لها. فقد أشارت المصادر القديمة إلى تسمية Frexes المستقرين في منطقة الوسط الغربي من البلاد التونسية. ففي بداية القرن 6م تجمعت بعض القبائل البربرية بمنطقة الظهرية و كونت كنفدرالية زعزعت أمن و استقرار الوندال بالمنطقة، و في سنة 510م تمكن Anatals من هزم الجيش الوندالي شر هزيمة عجلت بسقوطهم تحت ضربات البيزنطيين. و أدى هذا الانتصار الباهر إلى تكوين إمارة مستقلة عن سلطة الجرمان في المنطقة الواقعة بين تالة و تبسة و القصرين، و هي نفس منطقة استقرار الفراشيش الحاليين الذي ذكرهم الشاعر Corippus تحت تسمية الفراكسيس Frexes .
تميزت علاقة هذه القبيلة بالسلطة المركزية بعدم الاستقرار و التوتر في أغلب الأحيان ، و قد صنفها حمودة بن عبد العزيز ضمن قبائل الصف الباشي إذ انضمت أغلب عروش الفراشيش إلى علي باشا في صراعه مع عمه حسين بن علي و ذلك في الفترة الممتدة بين 1728 و 1740م كما خاضت ثلاث معارك حاسمة ضد السلطة المركزية ، معركتين ضد قوات حمودة باشا و معركة عين صغيرة ضد قوات أحمد باي و قد كان عدد الضحايا مرتفعا من كلا الطرفين في كل المعارك . كما سارع الفراشيش بالانضمام إلى انتفاضة 1864 بتحريض من الحاج مبارك بن محمد الغيداوي شيخ الزاوية الرحمانية . ولكنهم رفضوا الاستجابة إلى دعوة إسماعيل بن يونس في ثورته على حكم علي باي سنة 1759 رغم أنهم كانوا من شيعة جده علي باشا . كما كان لهم دور بارز في إسناد الجيش النظامي في حروبه ضد إيالة الجزائر و هو ما جعل السلطة المركزية تعامل الفراشيش معاملة خاصة مقارنة بجيرانهم ماجر و أولاد عيار لعل أهمها التخفيف الجبائي و التنازل عن جزء من مطالبها محاولة بذلك كسب ولاء هذه القبيلة نظرا لامتداد مجالها الحدودي الذي سعت السلطة المركزية إلى المحافظة على تبعيته للسيادة التونسية . فقد تصدى الفراشيش لهجمات القبائل الجزائرية الساعية للسيطرة على بعض الأراضي الحدودية و شكلت فرق الحوافظ و العسيلات و قماطة حزاما بشريا قويا أمام محاولات قبائل النمامشة و الحنانشة التوسع داخل الأراضي التونسية . خاضت الفرق المحاربة في هذه القبيلة الحوافظ و أولاد عسكر بمعية بقية الفرق معارك عديدة ضد كل من النمامشة و الحنانشة و أولاد خيار و أولاد سيدي يحي بن طالب ، و تصاعدت الصراعات مع النمامشة خاصة خلال فترة حكم أحمد باي ( 1837_1855 ) و تشير الوثائق إلى معركة “عين الشجرة ” الواقعة بين أراضي الحوافظ بجهة حيدرة و أراضي أولاد يحي بن طالب حول تبسة و معركة ” بحيرة الأرنب ” الواقعة قرب تبسة التي أجبر فيها النمامشة على الانسحاب بعد أن تكبدوا خسائر فادحة في الأرواح وصلت إلى 100 قتيل ، كما استرجع الحوافظ منطقة ” السّرى ” الخصبة بالقوة و استولوا على أراض تابعة لأولاد خيار الواقعة على الجانب الجزائري من الشريط الحدودي .
و بالتزامن مع هذا المجهود العسكري ضد القبائل الجزائرية دخل الفراشيش في صراع طويل و عنيف مع عروش الهمامة من أجل السيطرة على سهول قمودة الخصبة و كونوا حلفا يشمل كل من ماجر و ورتان و أولاد عيار و بني زيد لمواجهة حلف الهمامة المتكون خاصة من جلاص و ونيفة و ورغمة . و بصفة عامة فإن علاقة هذه القبيلة المحاربة ببعض القبائل المجاورة و خاصة الهمامة و القبائل الجزائرية الحدودية متوترة في أغلب الأحيان .
و قد عرف عن الفراشيش أنهم لا يترددون كثيرا في التمرد على كل حكم مركزي يضطهدهم ، كما انتقموا من جلاديهم أمثال القايد قضوم بن محمد. إلا أنهم عانوا الكثير من الاضطهاد على أيدي محلة علي باي بعد فشل هذه الانتفاضة مثل مصادرة الممتلكات و التقتيل و التعذيب و السجن .
و بوصول خبر دخول القوات الفرنسية بقيادة فورجمول الاراضي التونسية، ندد الفراشيش بموقف الباي و اعتبروه خائنا و قرروا عصيان أوامره القاضية بعدم التصدي للجيوش الفرنسية. فتزعم الحاج حرّاث قايد أولاد ناجي حركة المقاومة المسلحة بعد مشاركته الفاعلة في مداولات ميعاد سبيطلة يوم 19 أوت 1881، فجهز في سبتمبر 1881 قرابة 700 فارس و عدد كبير من المشاة من أولاد علي وأولاد ناجي والزغالمة و ماجر للتصدي للقوات الغازية في المكان المسمى ” الرميلة ” و بعد 5 أيام من المعركة الأولى طلب الحاج حراث من كامل القبيلة الوقوف في وجه الغزاة و تتبع الجيش الفرنسي في الأماكن التي كان يخيم فيها و بوصول تعزيزات من الهمامة و أولاد عيار و الزغالمة و ورتان هاجموا القوات الفرنسية قرب زاوية سيدي المرغني و دارت معركة ضارية استعمل فيها الجيش الفرنسي المدافع لتشتيت شمل المقاومين حيث دخل الفراشيش في معركة ” كدية الحلفة ” بقرابة 3000 فارس و مشاة .
و بالتوازي مع التصدي للغزاة قام الحاج حراث بن محمد بنهب ممتلكات القياد الذين تعاونوا مع المحتل، و منهم محمد قعيد بن سالم و محمد الصالح الشافعي و علي الصغير قايد أولاد وزاز الذي استطاع أن يجر البعض منهم إلى الاستسلام السريع للفرنسيين.
وبعد فشل حركة المقاومة المسلحة و قرار ميعاد الحامة في أكتوبر 1881 الهجرة إلى ليبيا على أمل الرجوع صحبة الجيش العثماني ، هاجر الحاج حراث مع مئات من الأفراد ينتمي أغلبهم إلى فرق أولاد عسكر و البعاصة ، ثم عاد المهاجرون بعد ذلك مع جملة العائدين بعد أن اتضح للجميع أن الباب الخالي لا العالي غير قادر على نجدتهم عسكريا . وقد تمت عودة الفراشيش على موجات متتالية كانت آخرها سنة 1885. و لإضعاف هذه القبيلة المحاربة عمدت السلطات الاستعمارية منذ سنة 1884 إلى إجراء عدة تحويرات في الوحدات الإدارية الترابية للقبيلة ، إما بتوزيع بعض الفرق على عدة عروش مثل عشيرة أولاد موسى التي قسمت بين عرشي أولاد وزاز و عرش أولاد ناجي أو بإدماج فرق غير فرشيشية مثل البنانة الذين اندمجوا ضمن فرقة السماعلة و القصارنية ضمن عرش أولاد وزاز . كما تعمدت السلطة الفرنسية إلى إدماج بعض المجموعات البشرية انتمت إلى ” القومية ” ( وهي مجموعات جزائرية صاحبت القوات الفرنسية أثناء غزو البلاد التونسية سنة 1881 ) ضمن بعض العروش قصد إحداث شرخ داخل هذه القبيلة .
و تعتبر انتفاضة الفلاحين الفراشيش سنة 1906 امتدادا للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال و رد فعل عن الممارسات الاستعمارية القاسية ضد الأهالي و السلوك السيئ للمعمرين و احتقارهم للسكان و الاستيلاء على أراضيهم ….يتبع ..

قد يعجبك ايضا
تعليقات