القاهرية
العالم بين يديك

قراءة في رواية نور للأديب والناقد المصري محمد البنا

122

رؤية /أميرة محمد
نور
98صفحة

المطلع على أدب ا/محمد البنا يمكنه أن يؤكد على أنه لا يمكن أن يبدأ بقراءة ،قصيدة ،نص قصصي أو حتى روائي له إلا ويقف عليه لينهيه فهو ينادي على القارئ بنبرة جاذبة تتخلل سطوره يعلم حاله النفسي والوجداني جيداً وذلك يظهر جليا في معظم أعماله وهذا ما سنشير إليه من خلال (نور) والتي يعتبرها بعض النقاد نوفيلا وليست رواية وهذه المسميات لا أهتم بها كثيراً حقيقة كل ما أركز عليه هل النص أدى الغرض المرجو من ولادته وظهوره للنور أم لا ؟
وهذا ما سأتطرق له لاحقاً.

1-العنوان
( نور )
يبدو لي إختيار الكاتب للعنوان موفقا جدا وإن كان السبب الرئيسي للإختيار يماثل رؤيتي أو حتى لا يماثلها فهو بالأخير موفق
أولا….نور …. اسم علم قد يكون إختيار الكاتب له ليضفي على النص واقعيته وأن نور هو رمز لأسماء كثيرة سواء ذكور أو إناث ورمزية الإسم هنا تشير أننا كلنا على نفس المحك النفسي يمكن أن نتعرض لما قد يتعرض له أي شخصية بالنص وخاصة الشخصية المحورية ولنلاحظ أن الإسم يمكن أن يتقاسمه النوعان.
ثانيا … نور …. قد يكون رمز لما ينبغي أن يكون عليه الحال في أي علاقة فالعلاقات الواضحة بالنور هى علاقات سوية مقبولة اجتماعياً ودينيا وحتى نفسيا وإن اجتمعت كل الحريات لتجيز غير ذلك .

2-الإهداء
إهداء خاص جدا ….. إليها……
إلى نور
إهداء ماكر من كاتب متمكن من أدواته فيبدأ بجذب قارئه من البداية يوهمه أن القصة هنا هى قصة واقعية أو حتى جزء من سيرة ذاتية فيستدعي فضول القارئ ويستفزه للقراءة .
إهداء خاص أراه إهداء مبرر يداعب به القارئ .

3-الفكرة
الفكرة بأي نص هى حكر المؤلف لا يمكن لأحد مجادلته بها ( لماذا وما الداعي ) ولكن هل تم له ما أراد وكيف ذلك هو ذاك والفكرة التي قد تحتملها القصة هى تأتي على وجهان لعملة واحدة الضياع المغلف بالنجاح وغربة الذات وتتضح الفكرة جلية في ( نور ) التي تقف في كل المحافل العلمية والأدبية تفصح عن نفسها المتفوقة التي أبهرت الجميع فتفوقت حتى على نفسها ورغم ذلك تعيش الضياع بمعناه الحقيقي مع زوج لا يعلمها فتعيش معه ظاهرا الزوجة الصالحة بمعنى الكلمة وهي ذات خلل داخلي
محمد أيضا يعيش نفس حالة الضياع رغم فارق السن إلا أنه لم يحاول أن يستعيد ذاته قبل ظهور نور بحياته وذلك أعطاه بعض الحكمة لمحاولته الحفاظ حياته الأسرية والعملية إلى أن ينجرف في تيارها باحثاً عن ذاته المغتربة .

4-السرد
القارئ لأدب محمد البنا يجده بارع جدا في السرد السلس المتواتر فتراك تسير معه لتنهي النص .
وصفه للمكان والزمان وصف دقيق يستدعي حالة التعايش فتشعر وكأنه ابن المكان ورفيق كل العصور أحيانا تشعر وكأنك بجولة سياحية وهو المرشد فتسير خلفه مطمئن.
حقيقة أرى أن الصياغة هى الصناعة صنيعة الفكرة تهذبها تخرجها من قوقعتها بأبهى حللها وهذا ما أجاده الكاتب .
هناك أيضا جانب مهم جدا أجاده الكاتب وهو عرضه للجانب النفسي لشخصياته والتي تفهم ظاهريا وضمنيا والكاتب الجيد بنظري طبيب بارع ومتأمل حذق يستدعي كل شاردة وواردة تتعلق بالنفس حتى وإن لم يعلن عن ذلك .
السرد تضمن بعض المقطوعات الشعرية والتي أجازها الكاتب وذلك لوظيفة وميول شخصياته فمحمد ونور شعراء .
جاءت هذه المقطوعات داعمة جدا لحالة السرد وخاصة أن السرد في أغلبه يعبر عن علاقتهما .

4-اللغة
جاءت اللغة في أبهى صورها وإن خالطها بعض العامية وذلك لضرورة تطور العلاقة بينهما .
يبدأ كل فصل بمقطوعة شعرية غاية في الجمال لما تحمله من براعة يراع وهذا أكد على ما تحمله القصة من رؤية .

5-الشخصيات
لن أتعامل مع كل شخصية على حدا وذلك لأني أرى أن الكاتب حاول أن يرسل لنا رسالة من خلال نور ومحمد وحتى شخصياته الثانوية _ كلنا هذا الشخص _ بأن كل منا محتمل أن يعيش غير ذاته فيتعايش وهو في غربة وهذا شق نفسي خطير يجب أن نقف عنده والذي بدوره أن نتذكر أننا ورغم ما نتعرض له إلا أن هناك ضوابط تحكم الإنسان ليرضي بالأخير وإلا فلن يصطحب وحياته .

الجانب النفسي هنا متمثلا في كل الشخصيات واضح جدا سواء الأبطال أو الأب والأم والأخ وحتى زوجة الأخ والقارىء للرواية سيقف على أدوات الكاتب النفسية مع كل شخصية والذي أراه عاملا هاما من عوامل إنجاح أي عمل .
ربط أيضا الكاتب بين الشخصيات والأماكن وذلك ليعلمنا بشىء خفي أن الضياع وغربة الذات تأتي حتى داخل وطنك ،ففي الغالب المكان يرتبط بالأشخاص فكان تركيزه على الأماكن التي إلتقى بها ونور تركيزا هاما جدا .

أحب أن أشير إلى جانب نفسي قد يكون صادم للبعض وهو أن الكاتب لم يذكر شىء عن حياة البطل (محمد) الشخصية وذلك بتقديري قد يرجع لعدة أمور:-
أولهما أن البطل قد قدم ما عليه تجاه أسرته فصار وحيداً فانجرف يبحث عن ذاته المهملة .
ثانيا :- الفكر الذكوري الذي يرى أن هناك خطوط حمراء لا يمكن إختراقها تتمثل في الحياة الشخصية .
ثالثا :- إعطاء مبررات لنور لبحثها عنه وعنه بالذات فأوضح الكاتب حياتها جليه
(( الخيانة لا تبرر ))

5-الترميز
الترميز هنا ظهر جليا بوجود الأفعى والذي أعتقد أن الكاتب استخدمه ليهدأ من روع بعض قرائه

الأسئلة والأجوبة بالخاتمة
السفينة ، البحر
_أنت سفينتي يا محمد والبحر بحرنا _ استخدم الكاتب هذه الخاتمة الرمزية ليؤكد حالة التوحد بينهما وأن الحياة قد تولد من رحم الموت .
الخاتمة مرضية جدا بالنسبة لي وذلك لسببين أولهما أن الكاتب بها أظهر فكرته هنا كما الشمس فالإنسان سيظل يبحث عن ذاته حتى في جب الموت .
ثانيا الكاتب أراد أن يثمن هذه العلاقة فأنهاها بالموت الذي هو راحة للغير من رؤيتهم بصورة ما وهو أيضا بداية لحياة .

بالأخير لا يمكن أن أقول إلا أن أي كاتب حقيقي هو من يظهر المسكوت عنه وليس إصلاحه ،يكشف النقاب عما يدور حوله فيرصده ويصوغه ليقول ها إن مثل ذلك هنا .

إن كانت نور نموذج لعلاقة مخفية الجميع لديه ما يخفيه لديه فقد من نوع خاص ليس بالضرورة علاقة فالعلاقات يمكنها أن تنتهي ولكن( غربة الذات ) هو ما يمكن أن يظل معك مدى الحياة فتشعر أن الخلاص بالغروب من هنا والشروق الأبدي بمكان آخر .

قد يعجبك ايضا
تعليقات