بقلم/ رانيا ضيف
انتبهت في الآونة الأخيرة لحالة من النفور تتملكني عندما أرى أحدهم يرتدي زي حكيم عصره وزمانه، فلا يكف عن التنظير ولا يتوانى عن إسداء النصائح هنا وهناك ولسان حاله يقول:
“أنا حام حِمَى الفضيلة والمنتدب الرسمي للدفاع عن القيم والمُثل العليا وعضو اتحاد المثالية !” .
يا عزيزي ما تنفقه في تلك الممارسات المنفرة والكاذبة؛ كان يمكنك أن تستثمر وقتها لمنفعة نفسك أولا والتأثير في الناس بأفعالك لا بأقوالك الجوفاء الفارغة الناتجة عن عدم إدراك لعلم النفس وطبيعة الناس والحياة .
لا شيء في الحياة يحدث عبثا يا عزيزي فكل شيء مدروس بإحكام متقنٍ لا شبهة خلل.
اطمئن وهدىء من روعك لست مسئولا عما يحدث، ولن يحاسبك عليه أحد.
بالطبع سينتفض أولئك الذين يحتالون على الناس بتلك الصور المزيفة من المثالية والنصائح الجوفاء والتقريع المستمر لغيرهم ممن حادوا عن نهجهم، لكن لا بأس، فوضع الكحول على الجروح يؤلمها ولكن يداويها بمنع تلوثها .
أتعلم يا عزيزي كان لدي جدة ولصديقتي جدة، جدتي كانت صامتة أغلب الوقت ممسكة بسبحتها تشاهد كل ما يدور حولها ولا تعلق إلا عندما يُطلب منها ذلك فاحتفظت بوقارها وهيبتها لآخر عمرها، وكنا نتعلم منها بصمت وننهل من نورها دون أن تتفوه بكلمة انتقاد أو تعنيف أو تعليق ساخر – لم يحدث منها ذلك أبدًا- فتعلقت بها القلوب وقلدتها دون جهد حتى رحلت وبقي أثرها للآن .
بينما كانت تشكو صديقتي من سلوك جدتها التي لا تكف عن الانتقاد وإسداء النصائح يمينا وشمالا حتى أصبح الجميع يسايرون حديثها دون أن يعوا منه حرفا، فما أشد من وقع النصيحة على القلوب والأسماع التي لم تطلبها .
تعلمت أنه يمكنني أن أُحدث تأثيرا دون صراخ وضجيج وانتقاد وربما لو اتبعت الأسلوب الآخر قل وقاري وهيبتي وأصبحت مثار سخرية باطنية غير معلنة في أحسن الأحوال !
ودعني أضرب لك مثلا آخر؛
أولادك خاصة المراهقين منهم؛ كيف يستقبلون وابل النصائح الثمينة التي ترهق بها أسماعهم بداعٍ ودون داعٍ ؟!
لا نقول أن تصبح صامتا سلبيا ولكن أيضا لا ترتدي ثوبًا يجعل منك أضحوكة ومثارًا للسخرية طوال الوقت وأنت تعتقد أنك حامي الحمى ثم تلومنا على وضعنا المزري وتعاود الكَرة!
ركز على الإيجابيات يا صديقي ربما نالك حظًا منها ونالنا بالتبعية .
نختتم بقول لقمان الحكيم عن التعامل مع الناس فقال : “كن كمن لا يبتغي محمدة الناس ولا يكسب ذمهم، فنفسه منه في عناء والناس منه في راحة.”