القاهرية
العالم بين يديك

قرة عين

128

فاطمة عبد العزيز محمد
إن من النعم العظيمة التي تستوجب منا الشكر، والحفاظ عليها، ورعايتها حتى تظل نعمةً تقر بها العين – نعمة الأولاد، فهم – إذا صلحوا – عمل يستثمر للأبوين حتى بعد موتهما، روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)).

ويلزم الاسلام الوالدان بضرورة تربية الأولاد تربية صحيحة قوامها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فتربية الأولاد من الأمانات والمسئوليات التي يحاسب عليها العبد يوم القيامة فإذا فرط العبد فيها عرض نفسه لغضب الله ومقته، وإذا قام العبد بدوره تجاه الأبناء أثيب عليه الثواب الجزيل ومنحه الله عز وجل أجرا عظيما.
والطفل كما يقولون صحيفة بيضاء نقية في أيدي أبويه ومن يربيه، فإذا نقشوا فيه صالحا نشأ صالحا، وإن نقشوا فيه شيئا فاسدا نشأ على السوء والفساد.
ومن رحمة الله بنا أن الولد يولد على الفطرة والميول إلى حب الخالق والدين، حتى لو ترِك وشأنه، لاختار الدين الإسلامي الحق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يُولَد على الفطرة؛ فأبواه يُهوِّدانه، أو يُنصِّرانه، أو يُمجِّسانه؛ كمَثَل البهيمة تُنتجُ البهيمةَ، هل ترى فيها جدعاءَ؟)).
فالمولود يولد على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فما على الوالدين إلا الحفاظ على الخير الموجود في المولود، وصيانته من كل الشرور التي تتربص به.

من هنا نصل إلي أن التربية الإسلامية فريضة في أعناق جميع الآباء والمعلمين لا يصح اهمالها، وأمانة يحملها الجيل للجيل الذي بعده ويؤديها المربون للناشئين وكان الويل لمن يخون هذه الأمانة أو ينحرف بها عن هدفها أو يسيء تفسيرها أو يغير محتواها”، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 27، 28].
وإذا لم يصلحوا، يكدر عيشهم وعيش آبائهم الذين لم يراعوا المسؤولية، ولم يقوموا بالأمانة كما ينبغي، فالأولاد مسؤولية عظيمة، وأمانة جسيمة ملقاة على كاهل الأبوين، والمعلمين، وكل من يتولى رعايتهم وإرشادهم، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته)).

ومن المؤسف أن يكون الوالدان مع تقصيرهما في حفظ ولدهما سبب الانحراف ومفتاح الشر، فالوالدان لهما دور كبير في صلاح الولد أو فساده، يقول الإمام الغزالي: “الطفل أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما يُنقَش فيه، ومائل إلى كل ما يُمال به إليه، فإنْ عُوِّد الخير وعُلِّمه، نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه، وكل معلم له ومؤدب، وإن عوِّد الشر، وأُهمل إهمال البهائم، شَقِيَ وهلك”، ويقول الإمام ابن القيم: “وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته له على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة.
فتربية الأولاد ورعايتهم مسؤولية جسيمة، قد يتسبب إهمالها، وعدم الحفاظ عليها في مصير مؤلم ينتظر الوالدين، ففي الصحيحين عن أبي يعلى معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبدٍ يسترعيه الله تعالى رعية، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)).
فعلى الوالدين أن يقدرا هذه المسؤولية ولا يهملا رعاية الابناء ليصبحوا صالحين بدل من اهمالهم ويصبحوا فاسدين بسبب سوء التربية فليس مهمة الإنسان أن ينجب أطفالاً فقط، وأن يعلما أن المسؤولية لا تقتصر على الطعام والشراب، والملبس والمسكن، وإنما تشمل أيضًا التعليم، والتأديب، والإرشاد، والتوجيه، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]؛ قال أهل التفسير: ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ﴾؛ أي: فقِّهوهم وأدِّبوهم، وادعوهم إلى طاعة الله تعالى، وامنعوهم عن استحقاق العقوبة بإرشادهم وتعليمهم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات