القاهرية
العالم بين يديك

ليالي الشتاء الماجن

214

 

بقلم السيد عيد
من منَّا لا يتوق إلى فصل الشتاء فينتظره بفارغ الصبر؟ فعلى الرغم من أن الشتاء كان يشبه فصل الصيف بدفئه
إلا أنه يرتبط في مخلداتنا بالمرح، والأوقات الجميلة، والذكريات السعيدة بدفء الأسرة
أيــــن الشتاء! لم نعتده بهذا المظهر كنا نراه يرتدي سترة الصيف رافعًا أكمامه، كان شتاء منزوع الدسم أليس هذا هو الشتاء!! كنا نتساءل:  أين سترته الصوفية؟ أين رابطة عنقه وغطاء رأسه؟
الآن أظلمت الدنيا،وتوَقّت الأجساد بالمعاطف وأرخى الليل سدوله مبكراً على غير عادة بخلوة فاخرة بمشتهيات الروح التي أدمنت الصيف والربيع والخريف أدمنت ترحالها من بلد إلى بلد، من قلب إلى قلب، تستريح فيه من وعثاء السفر، بل تطير كل مطار، وما ثمة مستقر ولا حتى مستودع!!

وجه عابس على الدوام؛ فهو يضحك لمن التقى في الدرب بصاحب الروح والقلب، فيعطيهما مادة الدفء رغم الصقيع ويبدي لهما منه استثناءهما بالشفيع، ويسمح لهما بتصديق خرافة الاكتفاء؛ فلا معطف ولا موقد، التي لا تليق إلا بين مُدغَمَين، تلاشت بينهما فروقات المتنافرين، ومستحيلات المتناكرين، فيتغنّون بلياليه وينصرونها، ويحمدون أيامه ويوالونها في ليلة حافلة من ليالي الشتاء الماجن
التي لم أعد أكرهه ولا أحبه بل صرت أخشاه.
يلفحني صيف بحرارة الخيبات، تتساقط أوراق خريف احلامي، تتجمد في شتاء اللهفة والاشتياق، ‏‎وإهمال المشاعر التي باتت أخطر على الروح من ألف فصل خريف ..

أحاسيسى تجاه الشتاء فى هذه المرحلة من العمر لا تشبه ما قبلها من أحاسيس، صرت أخشاه لأنى صرت أشبهه، الأوراق المتساقطة عند سيقان الأشجار تشبه سنوات العمر الطويل
عاد الشتاء ثانية ورغم أن عمره صار أقصر حُمل بشراهة رياحٌ لم تألُ جهداً، فاستنفرت قواها، وهمّت بالسحب تلملمها من حدب وصوب، محدثةً صريراً قوياً يرهب باقي السحابات في الآفاق، فتنصاع لأوامره وتتجمّع لتتزاحم في كبد السماء،
هرعت واستنفرت كلّ قواها لم تهبها بضع قطرات من الماء، أغرقت الأرض بالمطر وأرعبت كل البشر، محذرة من غضب الطبيعة القادم وأمام هذا الغضب تغيرنا وأصبح يأخذنا الحنين إلى فصل الربيع فنتعجله ونستدعيه ونرقبه ونبحث فيه عن شعور مفقود بالأمان.

ها أنا أترك أوراقي وحدها هي الأخرى تتساقط معلنة رحيل الشتاء ليحل الربيع وتزهر كل أيامنا من جديد .

قد يعجبك ايضا
تعليقات