كتبت. رحاب الجوهرى
بدأ الفراعنة ممارسة ما يسمى بـ”الطب الوقائي” للحماية من الأمراض المعدية خاصة بعد إصابة ووفاة عدد كبير من سكان مدينة تل العمارنة بالمنيا صعيد مصر وقتها بمرض الملاريا
و منذ فجر التاريخ ابتكر المصري القديم طرقا حديثة لمواجهة الأمراض المعدية والأوبئة التي أصابت بعض المدن على مدار التاريخ الفرعوني بمختلف حقبه الزمنية
وبداية من الدولة القديمة حتى العصر المتأخر، كانت الرعاية الصحية بندا مهما في مسؤوليات الملوك والملكات، وحظي الأطباء وقتها بمكانة كبرى لدورهم في إعداد وصفات علاجية لأمراض القلب والجهاز الهضمي وتسوس الأسنان والأوبئة، إضافة لإجراء العمليات الجراحية
ورغم ما جلبته الرحلات التجارية والمعارك العسكرية من أمراض معدية إلى مصر القديمة، فإن سلوكيات المصريين وتطورهم في علم الطب، مكّنهم من تحقيق انتصارات ضد الأوبئة على مدار 5 آلاف سنة.
فقد لجأ إلى المياه كوسيلة تحميه من الإصابة بالأمراض ما جعل نهر النيل شيئا مقدسا والحفاظ عليه جزءا من العقيدة الفرعونية
وقال الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين المصريين، إن إدراك المصري القديم لأهمية النظافة للحفاظ على الصحة العامة كان جزءا من العقيدة الفرعونية، مشيرا إلى أن سبب انتقال الأوبئة إلى مصر كان موقعها الجغرافي الذي جعلها نقطة رئيسية للتجارة، إضافة إلى مرور 6 أفرع لنهر النيل في مدنها.
وأضاف: “انتشرت الأوبئة مثل الملاريا في مصر القديمة عبر الغزوات العسكرية، حيث يرجح إصابة الملك توت عنخ آمون أحد ملوك الأسرة الـ18 بهذا المرض، كما توفيت إحدى زوجات الملك رمسيس الثاني أحد ملوك الأسرة الـ19 لإصابتها بوباء الملاريا”.
ونجح الطبيب “الكاهن سخمت” في وضع علاج لأمراض الملاريا والجدري كما تشير بردية إيبرس والممارسات الطبية التي تعد أقدم وثيقة علاجية في التاريخ يعود عمرها لأكثر من 3500 عام
ونجح الطبيب “الكاهن سخمت” في وضع علاج لأمراض الملاريا والجدري كما تشير بردية إيبرس والممارسات الطبية التي تعد أقدم وثيقة علاجية في التاريخ يعود عمرها لأكثر من 3500 عام.
وكانت النظافة طقسا يمارسه المصري القديم باستخدام المياه في التطهير من الأمراض، وأصبح غسل الأيدي والملابس والمأكولات درعا أولى للحماية من الأوبئة؛ لذا قدس نهر النيل وأطلق عليه اسم (حابي)”.
وامتد استخدام المصري للمياه لتعقيم المعبودات والملوك ونثرها أمام المنازل والبيوت كرمز للحياة بصحة جيدة دون أمراض معدية.
وتدريجيا أصبح السلام برفع اليد لأعلى فقط دون تلامس، التحية السائدة للمعبودات والملوك، بعد إدراك المصريين أن السلام بالأيدي وسيلة لنقل الأمراض.
كما برع في تصميم منازل للطبقة العامة بحمامات مخصصة للاغتسال وأخرى لقضاء الحاجة، وحرص على تشييدها في نهاية ممر بالمنزل، بينما في منازل وقصور طبقة الأغنياء شيد بركة المياه، بحسب وصف الخبير الأثري.
وعلم المصريون القدماء أن الحشرات الضارة وروث الحيوانات مصدر لنقل البكتيريا والفيروسات؛ لذا اهتموا بتعقيم منزلهم بالأعشاب والبخور، إضافة لتعقيم الصناديق الحافظة لأحشاء المتوفى بعد تحنيطه.
ومن الجدير بالذكر أن ” أكثر الشعوب نظافة” بهذه العبارة وثق هيرودت شهادته عن المصريين عندما جاء لمصر الفرعونية في القرن الخامس قبل الميلاد.
وقال مجدي شاكر: “اتبع المصري القديم كل طرق الوقاية من الفيروسات والبكتيريا، بتخصيص 3 مرات للنظافة والاستحمام للطبقة العامة، و5 مرات للكهنة باستخدام ملح النطرون والزيوت المستخرجة من النباتات، إضافة لعادة حلق شعر الرأس والجسم للعامة مرة واحدة في الأسبوع وكل يومين للكهنة؛ ما يفسر وجود البحيرات بالمعابد”.
ومن النباتات والأعشاب استخرجت مواد التعقيم مثل نترات البوتاسيوم وملح النطرون، التي استعانت به المرأة المصرية لتطهير الملابس والقصور الملكية، كما استخرج اللافندر من أوراق الأشجار لتنظيف الأسنان وعلاجها.
وأوضح شاكر أن نصيحة غسل الأيدي بالماء والصابون قبل وبعد تناول الطعام نصيحة فرعونية قديمة، واعتاد المصري القديم على عدم إلقاء نفايات منزله، بل كان يمنح بقايا الطعام للحيوانات والطيور التي يعتني بها، واستخدم بعضها في إشعال أفران طهو الطعام، ودفن غير الصالحة للاستخدام في الرمال.
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية