للكاتبة المربية/ هادية حساني من سليمان تونس
متابعة عبدالله القطاري من تونس
– ياسين هنيني على المحل، خذ النقود قبل أن تمد «السندويتش»
كانت هذه آخر توصيات «المعلم» قبل أن يغادر المحل لأداء صلاة الجمعة. تفكيره مشتت، حركاته مضطربة، ماذا ستكون حجته غدا ؟ سيندس كالعادة آخر الصف الطويل، وسيدخل محافظا على هدوئه، متمنيا أن يحالفه الحظ، ولا تتذكر معلمته غيابه عن حصة اليوم !
الزبائن يتوافدون على المحل، فالوقت ظهر. ظل واقفا يعد «السندويتشات»، ملبيا رغباتهم، حتى أنه نسي نفسه، وان يغذيها كبقية الخلق. ولم يتذكر إلا عندما احس ٱعتصارا بمعدته، فراح يزدرد قضمات سريعة، قبل أن يهل زبون أو أكثر.
ساهم، يتذكر أمه، يراها راكبة سيارة الأجرة إلى العاصمة، تنزل منها مسرعة، تنتظر الحافلة الصفراء، تأتي متموجة بالخلق، تركبها، تدفع وسطهم دفعا مثقلة بقفتها، ترمي يدها متفقدة حقيبتها الصغيرة التي لبستها تحت ملابسها بعد ان سرقت في المرة السابقة، رائحة عرق عطنة تشعرها بالغثيان، تحشر نفسها بينهم، طالبة أن يسمحوا لها بالعبور، تنزل على مسافة من المستشفى المبني على مرتفع، تجاهد لاهثة مثقلة بحملها. قلبه يتمزق، ليته كان أكبر سنا، ليعوضها، و إن أصرت على الذهاب سيحمل عنها القفة، سيؤنسها، ويخفف عنها حزنها، سيجنبها الوقوف في ذلك الطابور الطويل لٱستخراج الأوراق، لن يتركها تائهة بين مكاتب المستشفى لتقابل الطبيب المباشر، لتسأل عن حالة أبيه.
آخر مرة عادت منهكة، ارتمت على الاريكة كخرقة، رأى صدفة، الضميدة الصغيرة على ساعدها، أخفت عنه تبرعها بالدم لعملية« القسطرة »القادمة.
آه! لو كان أكبر ! كان تبرع له بالدم، رغم كل شيء !
يتذكر منذ سنتين يوم حدثته معلمته إثر زيارة أمه لها محاولة اخفاء دهشتها، لا ينسى كلماتها:
– أبوك لا يكرهك، لكنه يرى أن الضرب طريقة للتربية، يريد ان يراك ناجحا..
-سيدتي هو يكرهني، لا يعاملني مثل أختي، أحس أنه ليس أبي!
يومها أكدت له أنه يحبه، لكن قسوته هي بسبب تربية قاسية تلقاها..
اليوم يسامحه لأجلها ولأجل أمه، لن يخيب ظنهما به، سيثبت للجميع حتى أباه الذي ينعته بالفاشل، أن له قيمة، ويمكن أن يعول عليه.
تشطح الأفكار به شطحا، ماذا لو صارح أمه ومعلمته، لحسن حظه أنه يدرس عندها هذه السنة، ستتفهم موقفه، وربما ساعدته.
«حبل الكذب قصير». كما تقول جدته. إلى متى سيظل يخفي عنها !؟ وهل هناك حلا آخر !؟
هل يتركها تمد يدها للناس !؟ لا. لن يحصل ذلك ما دام حيا…