كتب/ حمادة توفيق
ويضربُ الشقاءُ بقساوةٍ وغباوةٍ فنسعى حثيثاً في طلبِ السعادةِ، ثم يمضي قطارُ العمرِ غيرَ آبهٍ ولا مكترثٍ لأمنياتِ الخلودِ والبقاءِ، محطماً السنينَ والأيامَ، راسماً الضعفَ تجاعيداً على الوجوهِ وانحناءً في القاماتِ، ثم نمكثَ الأيامَ الطوالَ لنحصيَ ساعاتِ الفرحِ فإذا هي معدوداتٌ لا تُذكرُ، ونستعيدُ أوقاتَ الوجعِ فإذا هي أيامٌ وأعوامٌ، فنتنهّدُ بؤساً وتعباً، كدّاً ونَصَبَاً، ثم نهتف : ما دائمٌ إلا وجهُ اللهِ.
نودعَ الأحبةَ فنواريهمُ الثرى بأيد ترتجفُ وعيونٍ تنهملُ، ثم ننساهم وننسى ذكراهم، وسرعانَ ما ننجرفُ مع تيارِ الحياةِ رغماً عنا، فإذا رَاودَتْ سيرةُ الراحلينَ البالَ ابتسمنا ابتسامةً بلهاءَ، وبحثنا في قلوبنا عن وخزة الألم الأولى للرحيلِ أو مرارةِ البكاءِ الطويلِ، فلا نجدهما البتةَ، لقد تغيرنا أو بالأحرى غيرتنا الحياةُ.
إنه التيارُ نفسه، هذا طبعه، هذه سمته، مندفعٌ إلى الأمامِ دائماً، لا يلتفتُ إلى الوراءِ، ولا يتوانى ولا يتمهل، بل هو دائمُ التقدمِ قويُّ الاندفاعِ.
أيها الحمقى المتباكونَ على فراقِ الأحبةِ، لن توقفوا النهرَ عن السريانِ، ولن توقفوا التيّارَ المندفعَ عن المضيِّ قُدُماً، فإذا أحببتم فأحبوا برفقٍ، وإذا زرعتمُ العنبَ فحصدتمُ العلقمَ فلا تحزنوا، فإنما هي سويعاتٌ ثم نمضي، وثمةَ يومٌ يجدُ فيه المحسنُ إحساناً، ويُجازى كلُّ مسيءٍ بما صنع ..