بقلم /أ.د. لطفي منصور
متابعة عبدالله القطاري من تونس
تَقَدَّمَتْ إلَيَّ يَلُفُّها الْحَياءُ، وَقَدْ عَلَتْ وَجْهَها مَسْحَةٌ أُرْجُوانِيَّةٌ، وافْتَرَّ ثَغْرُها عَنِ ابْتِسامَةٍ أَشْرَقَ مِنْ بَيْنِ الْعَقِيقِ صَفّانِ مِنَ اللَّآلِئِ أَضاءا ظُلْمَةَ وَحْشَتِي.
قالَتْ بِصَوْتٍ رَخِيمٍ، وَقَدِ انْحَنَتْ قَلِيلًا: بِماذا نَخْدُمُكَ يا سَيِّدِي؟
يا سَيِّدِي! نِداءٌ لَمْ أَتَوَقَّعْهُ، حَرَّكَ عِنْدِي مَشاعِرَ الْإجْلالِ وَالْإكْبارِ’ لِصورَةِ التَّعامُلِ مَعَ الضُّيوفِ.
كُنْتُ أَتَوَقَّعُ أَنْ تَقُولَ أَيُّها القادِمُ، أَيُّها الضَّيفُ، وَفي أَحْسَنِ الْأحْوالِ : يا صَدِيقَ الْمَقْهَى. أمّا يا سَيِّدِي فَهِيَ قِمَّةُ التَّواضُعِ وَالرِّقَّةِ وَالْأُنُوثَةِ وَالْمَلائِكِيَّةِ، أَوْصافٌ قَلَّ أَنْ تَجْتَمِعَ في بَشَرٍ.
بِماذا نَخْدُمُكَ: تَعْبِيرٌ هَزَّني مِنْ ظَبْيَةٍ تَقِفُ أمامِي تَنْتَظِرُ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ شَفَتَيَّ.
حاوَلْتُ تَرقِيقَ صَوْتي خَوْفَ أنْ يَكُونَ أَجَشَّ فَتَفْزَعُ مِنِّي وَتَجْفِلُ.
“كَهْوَة” بِاللَّبَنِ ، مِن فَضْلِكِ تَكونُ بِحَرارَةِ أَحْشائِي. انْحَنَتْ قَليلًا، وَتَراجَعَتْ خُطْوَتَيْنِ إلَى الْوَراءِ واتَّجَهَتْ نَحْوَ مَكانِ إعْدادِ الْقَهْوَةِ.
وَسَرَحْتُ في أَفْكارِي في ذِكْرِ الْمَلائِكَةِ في الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ وَأَجْنِحَتِهِمْ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ، وَفي صُوَرِ الْحَوارِي وَحُسْنِهِنَّ السّاحِرِ،
فَأَجْزَمْتُ أنَّ هَذِهِ الْحَسْناءَ بِأَدَبِها وَلُطْفِها وَجَمالِها لا تَقِلُّ إنْ لَمْ تَزِدْ جَمالًا وَبَهاءً عَنْ تِلْكَ الْمَخْلوقاتِ الَّتِي لَمْ نَرَها، وَاقْتَنَعْتُ أنَّ الْمَرْأَةَ أجْمَلُ مَخْلوقٍ فِي الْكَوُنِ .
وَبَيْنَما كُنْتُ ساهِمًا في أَفْكارِي وَإذا بِالْقَهْوَةِ تَحْضُرُ عَلَى طَبَقٍ فاخِرٍ وَقالَتْ: لَقَدِ اخْتَرْتُ لِمَذاقِكَ كَأْسًا مِنْ بَلُّورٍ أرْجُو أَنْ يَروقَكَ.
شَكَرْتُها وَقُلْتُ: وَتَحْمِلُها أَنامِلُ مِنْ فِضَّةٍ أوْ بَلّْورِ، ضَحِكَتْ فَتَجَرَّأْتُ أنْ أَنْظُرَ في عَيْنَيْها السَّوْداوَيْنِ فَذُهِلْتُ لِفِعْلِهِما في النَّفْسِ فَتَذَكَّرْتُ بَيْتَيْنِ مِنَ الشِّعْرِ،،الْأَوَّلُ لِذي الرُّمَّةِ أوْ لِلفرزدق:
وَعَيْنانِ قَالَ اللَّهُ كُونا فَكانَتا
فَعُولانِ بِالْأَلْبابِ ما تَفْعَلُ الْخَمْرُ
وَالثّاني لِأَبِي نُواسٍ:
تَسْقِيكَ مِنْ عَيْنِها خَمْرًا وَمِنْ يَدِها
خَمْرًا فما لَكَ مِنْ سُكْرَيْنِ مِنْ بُدِّ
“رِفْقًا بِالْقَوارِيرِ”