بقلم _سامح بسيوني
في ليلة طار النوم من الفؤاد، وغرقت في همومي وأحزاني وامتزج التفكير والهموم على رأسي وعقلي وتاهت معه افكاري٠
وأصابني الأرق وناديت النوم من بعيد؛ ليأتيني في الحال؛ لأستريح معه من شدة أفكاري وابتعد به عن عالم مليء بالتغيرات والأحوال٠
فكنت في طفولتي وشبابي أضع رأسي على وسادتي فيأتيني النوم في الحال لأنني كنت مستريح الفكر والبالي٠
وأصبحت اتقلب على فراشي ذات اليمين وذات الشمال، وشرعت ما تيسر من القران لعله يرشدني الي هدوئى وصوابي
فتدبرت من الآيات ووقفت معتبرا أمام قوله -عزوجل- ( وجعلنا الليل لباسا)
فعشت متأملا مع تلك الآية، وقلت في نفسي النوم ما أجمله!
فهذه العبارة يقولها كل متعب نفدت كل طاقته أثناء نهاره وتفدت قواه٠
النوم ما أثمنه !
تلك المقولة يقولها المريض الذي اقعده المرض، فلا هو الصحيح اليقظ يتمتع كالناس بصحته، ولا هو بالساهي فتغلق له عينان٠
النوم ما أحسنه!
أو هكذا يقول المهموم يطلب النوم فيتمرد عليه، أنه فكر وقدر ثم نظر وعبس، فعندئذ وقع في دائرة لا يعلم أين طرفاها ؟
ورجعت أسأل نفسي هل النوم يعرف غنيا أم فقيرا؟!٠٠
فالكل فيه سواء بلا شك أو ريب٠
النوم لا يظفر به إنسان دون غيره٠
فالنبات نال نصيبه منه! فنجده في النهار يعمل بدأب سعيا وراء قوته، فيرزق من أكسيد الفحم فيقوى العود منه فيعود بالنفع على الأفرع نموا وانسياقا٠
هناك ارتباط رهيب بين اليقظة والنوم، بالأمس القريب خرجت الطيور من أوكارها؛ مستبشرة بالحياة ولكن ماهي إلا لحظات انكسفت فيها الشمس فحجب ضوؤها فانخدعت تلك الطيور المسكينة وظنت بأن الليل قد جن فعادت إلى أوكارها في الحال٠
ياله من مشهد عظيم يبين لنا مدى ارتباط الكون والمخلوقات بفلسفة الليل والنهار وما بينهما من نوم ويقظة!
تلك هي سنة الله في أرضه ليل داج ونهار ساج، بالليل السكن والراحة وبالنهار السعي والجد والأمل وروح التفاؤل في الحياة٠
لكن هناك من المخلوقات من يخترق هذا القانون فيتبدل حاله فيكون ليله نهاره ونهاره ليله؛ فنجد بعض الحيوانات المفترسة تنتهز الليل ستارا لها لتنقض على فريسة لها٠
ونجد رجالا فرض عليهم طبيعة الحال أن يعملوا بالليل ساهرين لراحة الاخرين٠
فسبحان الله له في خلقه شئون!
لذلك أدركت قيمة النوم؛ فهو ميزان العقل كما يقولون٠
فلا يستطيع أي كائن أن يعيش بغيره٠
واذا كان النوم هو الراحة والسكون، والبعد عن متاعب الحياة ومصائبها؛ فأن لله عبادا ترك المضاجع حبا فيه فيقضون ليلهم سجدا وقياما؛ طمعا في رحمته فستحقوا المدح من الله (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون)
وبعد هذا التأمل في فلسفة النوم واليقظة؛ أدركت لماذا جعلت الجنة بلا نوم؟ لانها هي النعيم الدائم الباقي فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فكيف نترك هذا النعيم بالنوم٠
نذهب بالنوم لنغسل فيه أحزاننا ومتاعبنا ومصائبنا، ولكن اى احزان ومتاعب ومصائب في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين٠
فيا نوم أقبل بعد العناء، وشمر بالرضا بالفؤاد؛ اريدك من أجل أن اغسل أحزاني وابتعد عن عالم مليء بالنفاق والمخادعات فهل تستجيب أم حالك هو الرفض والهجران؟
تأملت بالنوم رب معبود لا تأخذه سنة ولا نوم!
فسبحان الله عما يصفون!
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية