احتوت قدح القهوة بين كفيها، وأطبقت عليه بأناملها…
أغلقت عينيها ببطء، واستنشقت رائحته بعمق…
كم تعشق تلك الرائحة، خاصة في الصباح الباكر، وهي ترقب قطرات الندى المتكاثفة، فالمتساقطة أمام ناظريها…
كم يبعث ذلك المنظر الهدوء في أوصالها، ويعطيها الفرصة لتشرد إلى اللا شيء، لتمنح فكرها بعض السكون…
– اشتقت إليكِ…
أفاقت من شرودها على قدح القهوة الكامن بين كفيها، فردت بدهشة:
– أنا أيضا اشتقت إليك…
– منذ مدة لم أنعم بصباح كهذا…
اغتصبت ضحكة قصيرة، وقالت:
– صباح كهذا لا أنعم به إلا عندما أكون في حالة عدم وفاق…
– نعم… ولذلك أتميز بتلك الكثافة الشديدة…
ابتسمت، وشردت مرة أخرى…
– ما بكِ؟
– لا أعلم… ربما أحتاج لبعض الوقت…
– لتهربى؟
– بل لأستعد…
– أتكذبين؟
– بل أحاول أن أتجمل…
– أمعى تتجملين؟
– بل معها…
– اعتني بها، لقد آذيتها كثيرا في الآونة الأخيرة…
– أعلم…
وحال بينهما الصمت…
– ألن تصالحيها؟
– أحاول أن أقتنص الفرصة لأصطحبها إلى نزهة، ثم لنتصالح… لقد واجهت في الفترة الأخيرة كما من الصدمات، ما جعلها عازفة عن كل شيء… حتى أنا، عازفة عني…
ولمعت عيناها، فأسرعت تغلقهما…
– لم تكونا على وفاق منذ مدة، فلا ريب أن ما واجهها أخيرا، أبعدكما أكثر!
– نعم، ولكننا قررنا أن نتصالح، وظللنا لعدة أيام في انسجام حميم… لكن مع أولى الصدمات، انفصمت عرانا، و ذهبت كل منا في طريق…
– لأنكما لم تكونا صادقتين…
زوت ما بين حاجبيها، وغمغمت:
– ماذا؟
– لقد كانت العلاقة بينكما هشة، ومع أولى الصدمات انفصمت عراكما…
صمتت وشردت بعينيها بعيدا:
– صدقت، ألم أقل لك، لقد كنا نتجمل!
– ألن تعودي إليها؟
– لا أستطيع… حاليا، ربما بعد فترة… أشعر بحمل ثقيل، أريد أن أتخلص منه أولا، ثم أتهيأ لها…
– أنتِ أيضا واجهتِ كثيرا، أشعر بشيء تغير بداخلك…
– صديقاتي يقلن ذلك… إنها الحياة، لابد أن تضفي صبغتها!
أرادت أن ترتشف ما تبقى منه، فاستوقفها:
– ترفقي بها…
ابتسمت في مرارة، وقالت:
– اطمئن، فلن أعدمها شنقا…
وحال بينهما رشفاتها المتوالية، حتى احتسته عن آخره…
إيمان البقلاوي