القاهرية
العالم بين يديك

لماذا أنا؟

389
بقلم/حسن محمد
ليلةُ جلست بها وحيدًا، أستند بظهري -ناظرًا إلى السماء- على مقعدٍ؛ أُناجي موْلاي:
-أنت عليمٌ بحالي، يا الله، لا أدري لماذا أنا؟
ليلةُ تلبَّدت سماؤها بالغيوم، اشتدَّت رياحُ أطرافِهَا، وذبلت أوراقُ أشجارِهَا؛ فتراقصت سِيقانُ وتهشمت أغصانُ..
ليلةُ اِعترت فيها الأحزانَ، احترقت بدمعِ الأعيُنِ، وتأجَّجت بنيرانِ الحنينِ والفُقدانِ..
ليلةُ باردةُ غُلقت نوافذُها، أُوصدت أبوابُ منازِلها؛ فخلت من أُناسٍ، وفرغت من أجناسٍ.
وفجأةٌ يجلس إلى جواري ولا أدري لماذا أنا؟
طفلٌ -لا يتجاوزُ عشرَ سنواتٍ- يجلس بجواري، مطرقَ الرأسِ، رثَّ الهيئةِ؛ يرتدي ثيابًا بالية..
تصطكُّ سِنَّتانٍ صغيرتانٍ وترتعشُ سَاقانِ عاريتانٍ؛ فيحيطُ نفسُهُ بجسد واهن، وأيدٍ باردة..
طيفُ الأملِ يتخلَّلُهُ شعاعُ الألمِ؛ فتنسدِلُ ستارةُ القلبِ مُعلنةً عن جراح دفينة وذكريات مُوجعة..
-من أنت يا صغيري، وما اسمك؟
ينظر ممتقعُ الوجهِ إلى الاصفرارِ، مُلتهبَ الأُذنِ إلى الاحمرارِ:
-أنا ضحيَّةُ الأيامِ، أنا عبثُ الأحلامِ، وصديقُ الأوهامِ.
عينانِ حالِمتانٍ مُلتهِبتانٍ إلى شيءِ تنظُرانِّ..
إلى بيت هادئ وفراش دافئ،
إلى نومة هنيئة وأحلام مضيئة
بتلفازٍ ولُعبة جميلة.
يدانِ باردتانٍ تتوسلانِّ..
إلى العِناقِ لا النُّقُودِ،
إلى الشُّرُوقِ قبل الغُروبِ.
-ماذا تريدُ يا صغيري؟ أتريد نقودًا أم سِترةً ومكانًا؟
لا، أريد الأمان.
أين أبوك وأمُّكَ؟
-ليس لدي أحدٌ، قد رحلوا.
-أين رحلوا؟
-عند اللهِ.
-أين مسكنكَ؟
-هنا.
-هذا الرصيف، ألا تخاف؟
-هذه أرض الله، وبه أحتمي.
-هل تعرفُ الله؟ حدّثني عنه.
-دعوته في الصباح، وأجابني في المساء.
-لا أفهمك؟!
-سألتهُ رفيقَا في وحدتي، ألستَ تسألهُ؟!
-نعم، اليوم سألته عن رسالةٍ.
-أي رسالةٍ!
-أنا إجابةُ سؤالكَ وأنت رسالتي، هيا بنا نذهب.
-إلي أين؟
-إلى الأمان يا صغيري.

قد يعجبك ايضا
تعليقات