كتب _أحمد حشيش
️ ….حكاية مثل
عيون المها
شَبَّهَ العرب قديما جمال العيون و سحرها بـ : [عيون المها] و تغزل بها كثير من الشعراء …
حَيْث ذُكرت [المها العربيّة ] في الشعر العربي و قام الشعراء بالتغزل بجمالها ، و تشبيه محبوباتهم بها و يعود ذلك ، لما لـ : [المها] من قوامٍ متناسقٍ و عينين كبيرتين واسعتين ذات سواد حالك ، و ما قيل عن المها العربيّ في الشعر كثير …
و كلمة مَهَا : هو إسمُ علمٍ عربي مؤنث ؛ مفرده مَهَاة و جمعه مَهَوات ، يُذكر كثيراً في الشعر العربي القديم ، منه و الحديث …
أصل الكلمة هو : المِهَاة ، التي تعني في اللغة العربية البلورة التي تَبِصُّ و تبرق و تشعّ لشدَّة بياضها ، و قيل هي الدُّرَّة الثمينة ….
و من «المِهَاة» إشتق قُدامىٰ العرب كلمة «المَهَاة» ؛ كتسمية لحيوان الظبي الصحراوي – مها- و ذلك لأنَّ المها العربية تتميز بلونها الشديد البياض مع عيونٍ واسعة جميلة و سواد يغطيها أشبه بالكحل ؛ لذلك كان شعراء العرب قديماً و حديثاً يتغزلون بجمال عيون محبوباتهم بوصفها بـ : [ عُيُونُ الْمَهَا ]…
و هُناك معاني أُخرى تشمل إسم مها ، منها :
– الفم أو الثغر إذا ما زاد بياضه و نقاؤه و كثر ماؤه ؛ فيُقال له مَهَا …
– و أيضًا المها هو إسم من أسماء الشمس و الكواكب …
لَم يُذكر إسم مها في الشعر الجاهلي كثيراً ، إنما ورد ذكره و شاع إستعماله في الشعر العباسي و الشعر الحديث ؛ و من أمثلة ذِكره ، ما جاء في إحدى قصائد شاعر المعلقة الأعشى إذ قال :
و تَبْسِمُ عن مَهًا شَبِمٍ غَرِيٍّ
إذا تُعْطي المُقَبِّلَ يَسْتَزيدُ …
و قد شبه شاعر المعلقة الآخر زهير بن أبي سلمى حبيبته بالمها في قوله :
تنازعها المَهَا شبهاً و در الـ
بحور و شاكهت فيها الظباء …
و أما المقلتان فمن مَهَاةٍ
و للدر الملاحة و الصفاء …
فأما ما فويق العقد منها
فمن أدماء مرتعها الخلاء …
و في الشعر الأُموي إستخدم الشاعر العاشق جميل بثينة : [عيون المها] ليتغزل و يصف جمال حبيبته بثينة ، و ذلك في قوله :
بثينة تزري بالغزالة في الضحىٰ
إذا برزت لم تبث يوما بِها بَها …
لها مقلة كحلاء نجلاء خلقة
كأن أباها الظّبي أو أمّها مها …
دهتني بودّ قاتل و هو متلفي
و كم قتلت بالودّ من ودّها دها …
و زاد ذكر [المها] في العصر العباسي ، و من أكثر القصائد شهرة هيّ قصيدة علي بن الجهم الذي قال :
عيون المها بين الرصافة و الجسر
جلبن الهوى من حيثُ أدري و لا أدري …
أعدن لي الشوق القديم و لم أكن
سلوت و لكن زدتُ جمراً على جمرِ …
و بقصيدة : [أوْهِ بَدِيلٌ مِنْ قَوْلَتي وَاهَا] للمتنبي في [عيون المها] أنشأ يقول :
كُلُّ مَهَاةٍ كأنّ مُقْلَتَهَا
تَقُولُ إيّاكُمُ وَ إيّاهَا …
فيهِنّ مَنْ تَقْطُرُ السّيُوفُ دَماً
إذا لِسَانُ المُحِبّ سَمّاهَ …
و قال محي الدين بن عربي في إحدى قصائده في [عيون المها] :
ألا يا نسيمَ الرّيح بلّغْ مَهَا نَجدِ
بأنّي على ما تعلَمُونَ من العَهْدِ …
و قالت الشاعرة سلمى بنت القراطيسي في وصف الجمال المثالي :
عُيونُ مَها الصريم فِداءُ عَينيْ
وَ أَجيادُ الظباءِ فداءُ جيدي …
أُزيّن بِالعقودِ وإنّ نَحري
لأزينُ لِلعقودِ من العقودِ …
وَلا أَشكو منَ الأوصاب ثقلاً
وَتَشكو قامَتي ثقل النهودِ …
في الشعر الأيوبي و المملوكي قال إبن المقري في إحدى قصائده الغزلية الطويلة :
عيون مها يجل و ظبا لحظها السحر
فتفعل ما لا تفعل البيض و السمر …
إذا جردتها فاستعدوا من الهوى
لمعترك يفشو به القتل و الأسر …
و يأخذ أسلاب العقول به الرنا
كما أخذت أسلاب شاربها الخمر …
فيا معشر العشاق مهلا عن الإِبا
فليس لكم في قتل أنفسكم عذر …
و يقول إبن سناء الملك في قصيدة له :
نَفْسٌ تَحِنُّ إِلى مَهَا
تَحْكِي لها آلامها …
و يَزِيدُها أَلَماً إِذا
هَويتْ بها إِلْمامَها …
و في الشعر الحديث قول محمود سامي البارودي :
مَحَا الْبَيْنُ مَا أَبْقَتْ عُيُونُ الْمَهَا مِنِّيْ
فشبتُ وَ لمْ أقضِ اللبانة َ منْ سنى …
عناءٌ وَ بأسٌ وَ إشتياقٌ وَ غربةٌ
ألاَ ، شدَّ ما ألقاهُ في الدهرِ منْ غبنِ …
و عليه ضربت العرب مثلا بمقولة : [عيون المها ] في سحر العيون ، حسنها و جمالها …