بقلم د. إسلام إسماعيل أبوزيد
(أم الحسن بنت أحمد الطنجالي) نموذجا
في معظم الدراسات عندما يشار إلى نساء الأندلس العالمات نجد الحديث وقد توجه عادة إلى عالمات الأندلس في مجالات الشعر، والأدب، والحديث والدعوة، وبالطبع فإن هؤلاء سيرتهن محمودة وفضلهن عظيم وجهدهن مثمن، ولكن أثرت أن أعرض نموذجًا هامًا للمرأة العالمة بالمعنى الحرفي للعلم، فنساء الأندلس كما كن بارعات مميزات في الشعر والأدب وعلوم الدين والتربية، كن أيضًا منهن البارعات في أمور الطب والفلك والطبيعة وكافة العلوم التطبيقية التي كانت مزدهرة في الأندلس.
من العلوم التي برع فيها نساء الأندلس خاصة مع مطلع القرن الثامن الهجري كانت علوم الطب، حيث برعن فيه كما برع الرجال، حتى أن نساء القصور كن لا يكشفن على طبيب من الرجال حتى أن نساء المنصور بن أبي عامر لا يطببهما إلا حفيدة أبن زهر الأندلسي ومعها ابنتها، ولقد عملت نسوة المغرب والأندلس في طب التوليد وعرفن وقتها باسم “القابلات” وهن من حرص الأطباء من الرجال على تعليمهن أصول فحص النساء ومعالجتهن وتعلم هؤلاء على أيدي أشهر أطباء العصر ولا ننسى تعاليم الرازي لهن وعبارته الشهيرة “إذا رأيت احتباس الطمث فقل للقابلة أن تجس وتتحسس عنق الرحم”.
ولقد وصلت هؤلاء القابلات منزلة من علوم الطب مثل علوم الطب الحديث، حيث تمكن من تحديد النسل أو تنظيمه وأجاز لهم علماء الشريعة في الأندلس ذلك وكن بفضل علمهن بتمتعهن بمنزلة تماثل منزلة الأطباء وهكذا أثبتت نسوة الأندلس براعتهن في الطب، من هؤلاء العالمات ببواطن الطب والعلاج كانت السيدة “أم الحسن بنت أحمد بن عبد الله أبي جعفر الطنجالي”. وهي تلك السيدة التي عاشت في كنف الأندلس بالقرن الثامن الميلادي عهد مملكة غرناطة، والثابت أنها تلقت العلم بأسرار العلوم والطبيعة والطب عن أبيها أحمد الطنجالي وهو العالم الأشهر في عصره، وكان شيخًا لأعلاما” في العلم والأدب منهم لسان الدين الخطيب، وهو من أصول مغاربية إذا قدم إلى الأندلس من طنجة بالمغرب، وتولى قضاء مدينة “اللوشة”، وهي بلدة واقعة في جنوب الأندلس قرب مملكة غرناطة وتابعة لها، وتلك المدينة تحديدًا كانت مصدرًا لعديد من العلماء في كافة المجالات، وعرف عن أحمد بن عبد الله الطنجالي المامه بعلوم الطب وبراعته فيها. في هذه البيئة شبت أم الحسن بين أمهات كتب العلوم ومجالس العلم فأجادت حفظ وتلاوة القرآن الكريم وعملت في البحوث العلمية وخاصة الطب والأدوية يدًا بيد مع أبيها وكان فرحًا بها فتفانى في نقل كل العلوم التي بين يديه إليها، وراحت هي تتعمق في دراسة الطب والبحث فيه فعرفت أسراره وتمكنت من أدواته .
لقد كانت السيدة أم الحسن نبيلة حسيبة تجيد تلاوة القرآن ونظم الشعر إضافة إلى فنون الطب واستعير هنا ما وصفه بها لسان الدين الخطيب إذا قال “ثالثة حمدة ولادة فاضلة بالأدب والمجادة، تقلدت الحسن من قبل الولادة، نشأت في حجر أبيها لا يدخر عنها تدريجًا ولا سهما، حتى نهض إدراكها وظهر في المعرفة حراكها، ودرست الطب ففهمت أغراضه وعلمت أسبابه وأعراضه.
هكذا كانت السيدة أم الحسن الطنجالية جامعة بين العلم والطب والشعر والأدب وعلوم الدين فكانت ذات مكانة مرموقة وهيبه محفوظة وحب من كافة أهالي غرناطة، وكانت معلمه العامة والخاصة وطبيبة نساء القصور وسكاني أزقة “لوشه” وكانت معروفة أنها لا ترد طالبًا ولا تقصر لمحتاجًا ولا تخفي علمًا ولا تيأس في علاج مرضًا، ولقد عم حزن كبيرًا عند وفاتها ونعاها الشعراء والعامة واكتست طرقات غرناطة بهما” عظيما”
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية