بقلم- مودّة ناصر
•حدث في ٣ أكتوبر- خريف ٢٠١٠م.
•المكان: مبنى عتيق بإحدى أحياء القاهرة-شقة ٣.
في غرفةٍ بيضاء يُزعجك زهوها، يتوسطها كرسيّان شديدا السواد وضوءٌ خافتٌ قليلاً. لتدخل فتاةٌ في مقتبل العُمر وتجلسُ باسترخاء. ملامحها تبعثُ السكون؛ عينانِ مصبوغاتانِ بلونِ القهوة وبشرةٌ خاليةٌ من مساحيق التجميل، ولكنّ الطبيعة ألبستها جمالًا نادرًا.
سألتُها ما اسمكِ؟ -قالت: زهرة.
أتودين الافصاح عن عمركِ يا زهرة؟ – لتردّ بعد تنهيدةٍ وليدة تفكيرٍ قائلة: ما رأيكِ لو كان السؤالُ متي ولدتِ؟
فاردفتُ قائلة: إذًا متى ولدتِ يا زهرة؟
-قالت: ” لقد طُوي اسمي في صحائف الغيبِ إلى أن لفظني رحمُ أمي، هكذا كانت ولادتي الأزليةُ التي انسلخ منها الأجمعون. لا اعي متى أدركتُ أنني في ضيافةِ الدنيا، كنتُ طفلةً ساذجة آملةً بأنني خُلقتُ لألهو وألعبَ وأن لا شقاء أبدًا.
ولأن دوام الحالِ من المُحال؛ أرادت الدنيا أن تُعلمني أسماءها بعنايةٍ، وكأنني حواء الأولى؛ لفظتني من نعيمها لتُعلمنى ما الحزنُ والشوقُ والشقاء.
أنا يا عزيزتي وُلدتُ يوم أن حملتُ الدنيا على قلبي وأذاقتني آلام الفراق وخيباتِ الأحلام، حينها حَملتُها وهنًا على وهنٍ للمرةِ الأولى، لكن دستور الحياة لا يخبرنا متى النهايةُ والولادة.
وُلدتُ مِن رحِم الآلامِ لأحمل الدنيا وأنا بخبرةِ رضيعٍ يبكي. أضاعني العمرُ في جعبةِ الليالي المُوحشة ووضعني على أعتاب طرقٍ نائية؛ لأشعر أني عجوزٌ في سفرٍ طويلٍ يبحثُ عن بلد، ويحملُ الدنيا على قلبه كالولد.
ومازال طيفُ الطفلةِ يراودني بأنه ثمة ميلادٌ جديد،..
ثمةَ ضلعٌ أعوجٌ خُلقت منه، ينتمي لي وأنتمي إليه، ربما في آخر السفر لقياه، تُرى هل ستصلُ العجوز بداخلي للبلد؟ هل تشربُ من بئرِ الحبِّ وتلفظ الولد؟
أنا واهنةٌ يا عزيزتي؛ فبين الولادةِ والولادة موتٌ طويلٌ.
الحبُّ عصا موسي والانتظارُ فرعوني العويل. روحي تودُّ قصرًا من الودِّ يحتضنُ ألمها الهزيل، وتخلُد فيه بعد سفرها الطويل،
حينها أكونُ “قد ولدتُ مرتين.”
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية