متابعة : رويدة سعدون
يحل شهر رمضان المبارك، في كل عام، على الأمة الإسلامية، في مختلف، أرجاء المعمورة، حاملا معه، الخير، والبركة، والاجواء الروحانية، التي لا نجدها، في باقي الشهور، ويمارس فيه المسلمون، عاداتهم، وتقاليدهم المتنوعة، من تبادل للزيارات، بين الأسر، والأقارب،، والجيران، والاصدقاء، وإعداد الأصناف المنوعة، من الماكولات، والمعجنات، وتداول اطباقها، فيما بينهم، ناهيك عن ، الصلوات، ومجالس ختم القرآن، المقامة داخل المساجد، إضافة إلى ذلك، ممارسة الألعاب، الرياضية، الشعبية، وعلى راسها، المحيبس، في ليالي هذا الشهر.
ومن الأمور التراثية، والفلكلورية، التي ارتبط وجودها، بشهر رمضان ، هي شخصية(المسحرجي)، كما يسميه العراقيون، أو ( المسحراتي)، (ابو طبيلة) ، مثل ما يطلق عليه، في باقي الدول العربية، هذا الرجل الذي اعتاد الناس على تجوله داخل الازقة والاحياء السكنية طيلة ليالي الشهر الفضيل في وقت السحر حاملا على جسمه طبلا كبيرا يضرب به بواسطة عصا المصاحبة للاناشيد الإسلامية؛ بهدف ايقاظ الناس لإعداد وجبة السحور وتناولها بغية الصيام، مصطحب احد أولاده ، أو أفراد أسرته، والذي يرث هذه المهنة، من بعده غالبا.
اما على الصعيد التاريخي، فقد وردت عدة اراء، حول تحديد، المرة الأولى، التي ظهر فيها المسحرجي، حيث ذهب أصحاب الرأي الأول، إلى أن أول ظهور للمسحرجي، كان في أيام الدولة العثمانية، ومنها انتشرت للدول العربية، في حين يرى، أصحاب الرأي الثاني، ان المرة الأولى، التي سجلت، ظهور المسحرجي كانت في زمان. الدولة الفاطمية. حيث كان الأمير الفاطمي يبعث برجالاته داخل الازقة؛ ؛ يدقون الطبول وينشدون الاناشيد الدينية؛ يبشرون بقدوم شهر رمضان، ويتجولون في لياليه؛ لايقاظ الناس وقت السحور.
لكن أصحاب الراي الثالث، يكشفون على وجود المسحرجي، منذ عهد الرسول (ص) ؛ وكيف كان يتولى، بلال بن رباح الحبشي مهمة ايقاظ الناس وقت السحر، لذلك نجد بعض الصعوبات، في ترجيح احد الاراء، على الرأيّن الباقيّن، مما تقدم، وبالخصوص عندما نعثر على رأي رابع؛ يزعم أصحابه ان شخصية المسحرجي برزت لأول مرة في العصر العباسي. عندما ابتكر البغداديون، فن الحجازي، وهو من فنون الأدب الشعبي، ومتخصص للغناء ، في وقت السحور، ويعتبر ( ابن نقطة)، من أشهر المسحراتين في هذا العصر، الذي كان ينظم أغانيه. على وزن فن القوما :وهو من الفنون الأدبية الشعبية اشتهر بهذا الاسم؛ نتيجة لانتهاء كل بيت من الأنشودة قومو للسحور.
ويتضح لنا، من الآراء السابقة، ان الجميع اتفقو، على أن شخصية المسحرجي، ارتبطت بالتراث الإسلامي، منذ القدم، على الرغم من اختلافهم، في تحديد الى اي عصر يعود، ومتى كان انطلاقه الأول، في هذه المهنة.
ومثلما تعددت الآلات التي استخدمها المسحرجي في عملية ايقاظ الناس؛ بين الدق على الأبواب ودق الجرس وعلى صفيحة حديدية (التنك) والدق على الطبل وهي الاشهر والباقية، تعددت ايضا دوافع امتهان هذه المهنة؛ فمنهم من يبتغي بها الثواب ومنهم من يرثها عن اسلافه ومنهم من يكسب منها دخلا اضافيا؛ من خلال الأموال والهدايا التي يحصل عليها من الناس في عيد الفطر.
وحتى مع اندثار العديد من الموروثات التراثية في وقتنا الحاضر؛ بسبب التطور والعولمة التي شغلتنا من جهة ووفرت لنا خدمات واسعة جعلتنا نستغني عن الأمور التقليدية من جهة أخرى،بقي ابو طبيلة محافظا، على وجوده، بين الناس، إلى يومنا هذا، وما ان يحل، شهر رمضان، يطل معه هذا الرجل، مخترقا بقرع طبله وترديده الاناشيد والعبارات الرمضانية الجميلة؛ سكون الليل وسط تفاعل أهالي المناطق معه؛ من خلال تقديم ما يتيسر عندهم من الطعام والشراب له؛ ليمنحوه الطاقة على التجول؛ وايضا لاشعاره برغبتهم وحبهم اليه؛ من أجل استمرار هذا الموروث في كل عام.