القاهرية
العالم بين يديك

مذكرات مريض نفسي

162

(تواريخ خائنة)
بقلم/ سالي جابر
حينما تجلس وحيدًا تتأمل سكون القمر وجمال السماء، هدوء البحر ونسماته التي تشفي عليل الروح، تعلم حينها فقط أنك وحيد، وحيد بما تحمل تلك الكلمة من معنى، ربما تشعر أن الكلمة نفسها تعاني، فتكتشف أن وحدتك سافرة، تتعلق في الأفق بنظرة أو كلمة أو حتى همسة، لكنك تُصر على الوقوف، من أدرك الخوف وصار إليه مهرولًا، هو شخص أراد أن يترك الحياة ويعتزل الأمل، كمن وضع قدمه على شاطيء البحر وبدأت خطواته تزداد، وبدأ يسقط دون أن يلمح في ذاته الأسى، يريد أن ينهي تلك المأساة، التقوقع حول الذات، الخسارة التي لا يعلم مدى فداحتها إلا حينما تأكد من وحدته.
الوحدة سهم تطلقه أنت على نفسك حينما تضعف، وتخور قواك، تنزلق في بئر الحيرة والتوتر، فتختار الوحدة.
حينما تحمل هاتفك لتكتب لمن تحب أنك تريده، تريد الحوار معه، أن تسأله عن أشياءٍ كثيرة، لكنك تسحب أصابعك بقلبٍ واهن، لا تريد أن تكون ضعيفًا، أنت فقط أردت البوح لمن تحب، أو تظن أنك تحب…
حين تجلس وحيدًا لا يضيء غرفتك سوى ضوء هاتفك، وحين ظلامك في عتمة الليل، ترى نجوم سمائك ولا القمر يظهر جليًا أمامك، تغلق مفتاح غرفتك، وتحمل ورقة وقلم تدون أجمل تواريخ عمرك، فلا تتذكر شيئًا، وكأن السعادة كانت زائفة، مؤقتة لوقت نجاحك، ارتباطك، وقت تسلمك الهدية، لا ينبغي للعمر أن يجري هكذا وتضيع لحظاته بين تواريخ مؤرشفة، لا نتذكر منها إلا كل ما يؤلمنا، أصبح الألم هو الأساس في كل شيء.
ما أجمل ذاك التاريخ الذي لا أتذكره!
قررت ألا أتذكره، ولا أعيده على سمعي، ولا أدونه في مذكراتي؛ كي لا أنساه، يقولون أن لحظات السعادة لا تُنسى، وأنا أؤكد أن اللحظات التي لا ينساها المرء هي فقط كل ما لا يريد نسيانه.
إنما لماذا ننسى لحظات السعادة؟ ربما لأننا نطمح في المزيد، ربما أيضًا لأن ضوضاءالسمع والفكر حجبت عنا النجاح الذي طالما ننتظره، أو لأننا نتنفس الضغوط كما الأكسجين، نتشرب المشكلات كما نشرب الماء، نحاول جاهدين أن نكون أفضل، لكننا نتحول إلى أُناس لا يمكنهم إلا الامتثال للأمر.
أنا هنا اليوم؛ لأنني أريد أن أتحدث، أفهم هل أنا على الطريق الصحيح أم لا، هل حيرتي صائبة أم أنني أبالغ في الأمر؟
علمت أن الجميع هنا يعاني؛ فأحببت الحكي، أنا لا أعلن عن اسمي، ولكنني واحد منكم يعاني الوحدة والتواريخ التي إن أراد الاحتفاء بها، هربت هي منه ونسيت تلك الذكرى.

قد يعجبك ايضا
تعليقات