القاهرية
العالم بين يديك

ذات شتاء

144

بقلم/ فاطمة الرفاعي

ثمة أزمنة وأشخاص لا غفران لهم ..وأنا بحياتى ما أحببت الشتاء ولا غفرت له ..أكرهه..أكره قدمه السوداء حين تطأ بساط الكون ..أكره يده الخفاشية التى تخطف عين الشمس ربما لأيام متصلة .. وتترك أجساد الفقراء واللاجئين يجمدها صقيع متوحش .
الشمس وهل يملك الفقراء ومسلوبو الأوطان غيرها؟ لتجفيف جرح إنسانيتهم وأرواحهم العارية ..
كلما اقترب موعده ينقبض قلبى بشدة .. أشم رائحة الموت فى جلبابه ..وحين يولى أفرح بالربيع كمن كتب له ولأحبابه عمرا جديدا .. ولِمَّ لا ؟!
هل نسي الشتاء ما فعله بي وأنا طفلة ..كنت بنت اثنى عشر ربيعا ..جميلة بعيون سوداء تضحك للكون ..تضحك للحلم .يغازلنى البحر ويطير شعري النسيم .. أنا بنت الصياد وبنت البحر .
أبي
أبي الصياد الأسمر الفتي الذى تسبح فى عينيه سموات الله ..الولي المتدين بتدين البحر ..
نحن الفقراء لا نملك إلا بيتا صغيرا أشبه بكوخ قرب البحر ..وزورقًا ومجدافًا وأبًا .
أب كان لى الدنيا وما فيها.. ما أن تمس يده شعري ويطبع على خدي قبلة إلا وشعرت أني أميرة..أميرة بمعنى الكلمة
كنت أحبك يا أبي حبا لا حد له .
ولكن استكثر عليَّ الشتاء أن يكون لي أبًا ..سرق روحي ..سرق كل شيء ..قتل أبي.
.فى هذا اليوم الذى حاولت مرارًا مرارًا محوه من ذاكرتي .. فلم أفلح ..
خرج أبي ليطعم أفواه صغاره ..في يوم شديد البرد ..وماذا يفعل ونحن لا نملك من حطام الدنيا أي شيء؟
جر مركبه بمجدافه وأنا أودعه عند الشاطيء ..نظر لى نظرة من بعيد وغاب عن عيني وأبحر إلي الأبد .
ساعات ..انقلب كل شيء فى ساعات ..وسوس الشتاء فى أذن الريح ..واتفقا.. فهاجت وزمجرت .. وشارك الرعد حفلة الخوف ..وأخذ البرق يضرب بشحناته كل مكان .
اختبأت ..أنا وأمي وأخوتي فى البيت
ساعات ..وعاد أبي وأحد عشر صيادا من قريتنا محمولين على الأكتاف ..عادوا جثثا مجمدة .

قد يعجبك ايضا
تعليقات