بقلم/سالي جابر
قنينة الذكريات
في يومٍ مشمس، اخترقت فيه الشمس نافذتي، وأومأت بأشعتها لتوقظ عيني النائمة التائهة، فتحت عيني لأرى جمال الكون وضحكات روحي مسرعة تتسابق مع زخات المطر، وفتحت النافذة على مصراعيها؛ لاستنشق عبير زهورٍ أيقظت بداخلي الأمل، ارتديت ملابسي مسرعة لأقف على الشاطيء وأرسم أمواجًا ساكنة، وألوان السماء السبع، حينها فقط تذكرتك، نفس المكان الذى تقابلنا به أول مرة، تراءت عينا ضوء الحب وانعكاساته على مرآة البحر، وغرقنا سويًا دون أن نجاهد أو نستغيث، ذلك المكان القريب البعيد أنبت زرعتي وأينعها وأرفق بها الحنين، كلما تذكرته فاضت عيناي شوقًا وأنينًا؛ وبينما أنا أشاهد السماء سمعت زقزقة العصافير، فطاح فكري بعيدًا وكاد خيالي أن يرفرف بجناحين لولا التجاج الموج، ثم سكون المكان بخوفٍ عجيب.
ألا تعلم يا رفيق روحي أنني بحثت عنك كثيرًا؛ لأختبىء بين ذراعيك، لتضمد روحك جراحي، لتهندم ما أفسد في مشاعري، وتعيدني لحبي ودقاته الهادئة المطمئنة معك، لكني لم أجدك، وما أفسد يومي كانت رائحة الذكريات، نعم عندما أقف هنا تتنفس أنفي شهيق عطفك، وهنا قنينة أحلامك التي تهشمت فأصبح المكان حلمًا بين يديك، معطرًا بك، وأنا على أعتاب الحلم؛ أقاسي نبضاتٍ زائدة وأحلامٍ تخشى النور.
سألتني عن حلمي الآن؛ فكانت إجابتي:” أن أغفو بين يديك، وأستيقظ على تلامس خدي راحتيك، وأن أتنفس حلمك، وأرسم بقلبي طريق قلبك” حينها أنت ابتسمت ابتسامة سخرية، وقلت” ألا يكفيك أنا هنا لدقائق؟” هزتني تلك الإجابة الصامتة، فلا يكفيني سوى الحلم معك، وقنينة الذكريات التي تنفث عبيرها…
الحياة البهجة المتأنية على شجرة الأمل، يمكنها أن تغني مع البلابل، ترقص فرحًا وطربًا، تشدو مع الغد وتتناسى آلام الماضي، بينما أنا وإن كنت واثقة هنا لا أستطيع مجاراة واقع أصبح دونك لا شيء؛ البحر الذي كان غنوة جميلة وأمواجه تعزف سيمفونية عشقي لك، أضحي الآن متنائيًا بين كفي الخوف، والأكثر أنينًا؛ أنني غارقة في حزني وخوفي وأبكي وصوت صراخي عاليًا بينما أنت تنظر ولا تحرك ساكنًا، هل من صمتٍ يمحي سكونك المخزي؟ هل من فرحٍ يحول عبث الأحزان داخلي إلى طاقة أخرى؟
الحزن هو لمسة جمالية على عيون الحياة، الكل يعيشها ولكن بمزامنة تتجلى على مهل، إذا كان هو بداية الطريق الذي في نهايته ضوء، فما الضوء إلا يد تربت وتهدهد، وتلتقط أنفاس من زعموا أن الحياة بلا حب حياة.
الحياة التي نتأملها دائمًا تبسط ذراعيها وتقبضها لمن يستحق ومن لا يستحق، ماذا فعلت لتستحق الحب والحياة؟ هذا السؤال تحديدًا أسأله لي ولك على ورقة خاوية إلا من عَبراتٍ تجاهد طوال النهار الهبوط، كانت متحجرة تتلألأ، والآن سقطت منها دمعة، فكانت كخيط كُر طرفه، فصار لا شيء سوى مجموعة من العُقد، تزداد وتتعقد ونحاول نحن دون أن نجد لها حلًا.
والآن يا رفيق طريقي؛ وددتك معي تحمل لفافتين الخيط، فأنا لا أريد سوى لحظات صمت وسكون أسكن إليها وأتعايش مع ألوانها، امتنانًا لطريقٍ أنت حزنه وسعادته.
دام قلبك ينبض بحب الحياة، ودام قلبي ينبض بحبك.