القاهرية
العالم بين يديك

حين ينتصر حب الحياة على معوقاتها – قراءة في رواية ” بنت القمر” للكاتبة عفراء مخلوف

231

بقلم د.محمد فؤاد منصور

تقدم لنا الكاتبة والروائية السورية عفراء مخلوف في روايتها بنت القمر وجبة روائية ممتعة تعج بالكثير من الأفكار التي تستحق التأمل والمناقشة والتوقف أمامها طويلاً ..
عفراء مخلوف سورية من اللاذقية لها موقف ضد الطائفية التي ترى أنها مزقت الوطن وخصمت من قوته ونمائه و ترى أن الله هو طاقة إيجابية وأن اتقان العمل هو صلاتها وأن الأديان تفرق البشر وتخلق بينهم المشاكل.
فالرواية بداية من عنوانها المحير” بنت القمر” تطرح إشكاليات عديدة وهو باعتباره أولى عتبات النص يستلفت النظر ..وسيجد القارئ نفسه يتوقف أمامه ليسأل عن مغزاه وعلاقته بالنص الروائي الذي بين أيدينا ، لكن الكاتبة تنتشلنا من حيرتنا بوضع مقدمة للرواية تفسر لنا ذلك العنوان لنكتشف أن الكاتبة قد رسمت في مقدمتها ملامح الشخصية الرئيسية للرواية وسماتها السلوكية والنفسية.
فبنت القمر هي الشخصية التي توازن بين قلبها وعقلها كمافي أسطورة القمر للإلهة إنانا. فتنحاز للعقل بلاتردد .
تحب شخصاً وتتزوج آخر .. أحبت نزاراً وأحبها لكنها رفضت الارتباط به لأنه عابث وزئر نساء وارتباطها به سيكون سبباً في تعاستها وستشعر أن حياتها معه لن تكون مستقرة فاختارت فادي الشاب المثقف المحب والمعطاء الهادئ وهو القريب من شخصيتها باتزانه وعقلانيته وحبه لأسرته ورعايته لها وتفهمه لمشاعرها تجاه صديقه العابث نزار بل ودفعه لها في كل مناسبة للقائه والتحدث معه ثقة فيها وفيه. وقد صاحبها فادي في رحلة التعافي من مرض السرطان الذي استأصلت بسببه جزءاً عزيزاً عليها من جسدها لكنها تجاوزت معه محنتها كأنثى تفقد معالم أنوثتها فحقنها طول الوقت بالحب والرعاية .. وتنجب منه طفلاً وطفلة ، شمس وكريم . وتمضي الأحداث وينمو الأبناء فتغادر شمس للدراسة في موسكو تحت رعاية أسرة مسيحية صديقة لترتبط بعلاقة حب مع ابن هذه الأسرة وتتزوج به زواجاً مدنياً في اليونان بعيداً عن الشرق العربي الإسلامي بأفكاره ومعتقداته وأفكاره الرجعية التي أدخلته في حروب أهلية طاحنة دمرته و لم يخرج منها حتى الآن.
هذه هي تقريباً الخطوط الرئيسية للرواية التي كتبتها الكاتبة بلغة راقية ومفردات قوية وسرد يراوح بين اللغة الشاعرية والنبرة الفلسفية .
أحداث الرواية عادية جداً وانسيابية وسلسة في تناولها وعلاقات شخصياتها واضحة لاتعقيد فيها ، ولكن شخصية الكاتبة تبرز فيها بقوة بل إنها كانت فرصة لتنثر من خلالها أفكارها التي تبدو تصالحية مع العالم وتتجاوز مشكلات الدين والجنس والمعتقد لترسم صورة لعالم خال من الخلافات والتناقضات إذا تحلى أفراده بروح التسامح والتعايش وإهمال كل مايسبب الفرقة والخلاف حتى لو تخلى الإنسان عن معتقده في سبيل ذلك !!
قدمت الكاتبة روايتها من هذا المنطلق وهي أفكار براقة ولامعة متجاهلة أنه ليس كل مايلمع ذهباً ، فتناول الفروق بين الناس فيمايخص العقيدة لايجوز تسطيحه للحد الذي نتصور فيه أن المشكلة بهذا الشكل ستحلها فقط النوايا الحسنة وحدها متجاهلة ماقد يترتب على هذا التلفيق مستقبلاً من مشاكل بين أطراف هذه العلاقة إلا إذا انصهر أحد أطرافها داخل الطرف الآخر تمام الانصهار وهو الحل الوحيد الذي قدمته الرواية لهذا النمط من العلاقات. ففي النهاية سيلجأ أطراف هذه العلاقات للعيش خارج أوطانهم ليكونوا في أمان .
فلا الدين حل المشكلة .. ولا الوطن
وفي أحد مشاهد الرواية يرتب والد العريس المسيحي طقساً احتفالياً مسيحياً لزواج الفتاة المسلمة (افتراضاً ) من ولده المسيحي داخل الكنيسة .. على أن يتبعه طقس احتفالي آخر على الطريقة الإسلامية في وجود شيخ ، على أن يتبع هذان الطقسان طقس ثالث في قبرص حيث يتزوجان زواجاً مدنياً !!!
فيقوم والد العروس المسلم – (افتراضا) – بالاعتراض على هذه الرغبة .
تقول الرواية في هذا
” تم إكليل العروسين وأعلنا زوجاً وزوجة موضحاً غسان( والد العريس المسيحي) أنه سيقيم لهما احتفالاً كبيراً بحضور الشيخ في أهم فندق بالمدينة فاعترض فادي ( والد العروس المسلم) :
لاداعي لاحتفال آخر بوجود شيخ فقد انتهى الأمر ، الله واحد ياصديقي وهاهو الخوري أعلنهما الآن أمامنا وأمام الله حبيبين إلى الأبد .. !!!
هكذا تعبر الرواية في كل أجزائها عن فكر الكاتبة ومعتقداتها أكثر مماتعبر عن فكر أبطالها ومعتقداتهم .
الرواية من حيث هي رواية مشوقة وأحداثها سريعة ومتلاحقة وقد كتبتها الكاتبة كقطعة سردية واحدة دون تقسيمها إلى فصول ومقاطع وهو مايجعل عبء كتابتها بهذا الشكل مضاعفاً وكأنها كانت تتعجل الانتهاء منها في أسرع وقت ، لغتها عالية ، قوية ورشيقة تظهر تمكن الكاتبة من مفاصل اللغة وبها لمحات فلسفية تجلت في حوار أبطالها المشترك الذين كانوا يعبرون طول الوقت عن فكر الكاتبة فلم يظهر بينهم أي تفاوت في الفكر والثقافة بل كانوا جميعاً يتحدثون بنفس الثقافة ويعبرون عن نفس التوجهات دون أدنى اختلاف وهذا من عيوب تناول الأحداث بفكر الكاتب وحده دون الاعتناء بالرسم الدقيق لشخصيات الرواية وإظهار الفروق بينها على الأقل أثناء الحوار .
لم تأخذ الكاتبة في اعتبارها بيئة الأحداث ومزاجها العام ولاعاداتها وتقاليدها وكأنها تخاطب بها كل الجنس البشري ماعدا المجتمعات الشرقية العربية ، فالزوجة تحب زوجها وفي نفس الوقت تحب شخصاً آخر كانت على علاقة به من قبل صحيح أنها لم تتورط معه في أي علاقة خارج إطار الزواج ولكن مجرد توزع المشاعر بين الزوج والحبيب السابق لاتقره المجتمعات الشرقية ، فالرواية في هذا الجانب تسقط كل التابوهات الشرقية فهي تحن إليه وتتسقط أخباره والزوج يعلم ذلك ويبارك بل ويساعد !!
إنها في المجمل رواية جميلة لكنها لاتعبر عن مجتمعنا الشرقي ولاتجيد تصوير شخصياته.

قد يعجبك ايضا
تعليقات