القاهرية
العالم بين يديك

المفردات وثقافتنا الضائعة

114

بقلم- د. محمد فؤاد منصور

في حياتنا اليوم ألفاظ مستجدة على مجتمعنا لم نكن نستخدمها قبل ثلاثين أو أربعين سنة، وقد صرنا نستخدمها بل ونفضلها على ما يقابلها من ألفاظ موروثة عن الآباء والأجداد .
تلك الألفاظ قد دخلت حياتنا في حقب متتالية دون وعي منا بل وتغلغلت في مجتمعاتنا حتى الريفية منها ، أحياناً كدليل على تحضر ورقي أو كعلامة على اغتراب وانتقال لمجتمع بعيد عنا جغرافياً وثقافياً وأحياناً أخرى كدليل على صعود لغة الشارع من ألفاظ عصابات من الهمج من حثالات المجتمع وشوارعه الخلفية ، فصرنا نسمع ألواناً من الشتائم والسباب الكثير منها شتائم جنسية أو تعريض بالأب والأم مما لم يكن له وجود في حياتنا وكان نطق أقل لفظ منها تأثيراً يجعل وجوهنا تحمر خجلاً وكسوفاً فصار الناس يسمعونها في الشوارع ووسائل المواصلات دون أن يرمش لهم جفن. .
قد يكون السبب هو عدم تفرغ الأهل للتربية وتقويم ألسنة أبنائهم وقد يكون السبب انتشار التعليم الخاص أو الدولي بمايفرضه من مفردات خاصة بالمجتمعات التي انتقل إلينا منها ثم الانبهار بها حتى صارت من مفردات التربية تجري على ألسنة الأهل كل يوم وقد يكون من قبيل التقليد الأعمى لإظهار الثقافة أو مستوى التعليم المتميز .. وفي المقابل اختفت من حياتنا ألفاظ كثيرة اعتدنا عليها منذ الصغر.
هكذا صارت المدرسة سكوول
والواجب المدرسي هومورك حيناً ودوڤوار حيناً والمعلمة مس
والمعلم مستر
ومقعد التلميذ دسك
والفصل الدراسي كلاس
والدرس نفسه لسون بل وحتى حافلة المدرسة صارت الباص.
صار الأب داد والأم مام والعم أو الخال أنكل
والجد والجدة جراند با وجراند ما
وهكذا يمكنك حصر عشرات من الكلمات الجديدة على مجتمعاتنا لم تكن موجودة من قبل .
ومن جانب آخر اختفت كلمات مثل أبلة وأبيه وتيتا التي كانت بدورها من بقايا اللسان التركي الذي استعمر مصر قرابة خمسة قرون .
وقد حافظ الريف المصري رغم ذلك على استقامة اللسان قروناً عديدة فكنا نسمع ألفاظاً مثل آبا وأمّا أو أبويا فلان عن الشخص الموازي للأب في المنزلة أو خالة فلانة أو سيدي أوستي إذا كان الشخص معادلاً للجد أو الجدة. حتى انقلب الريف بدوره وأصابه ڤيروس التغريب فصار يقلد الحضر في اعوجاج اللسان ليلحق بركب التحضر في ظنه فصار مثل ” القرد أبو صديري” لاهو أتقن الجديد ولاحافظ على القديم.
**
في أزمة الفيلم الأخيرة قامت الدنيا ولم تقعد بسب مشهد تافه اصطلح على تسميته ” مشهد الأندر” وصار الناس يتداولون كلمة الأندر فيمابينهم حتى سأل شيخ من الجيل القديم على استحياء صديقاً له ” يطلع أيه الأندر ده”؟
فأجابه صديقه بثقة: الكيلوت.
كان حواراً كوميدياً فالشيخ الذي لايعرف ماهو الأندر لن تحل مشكلة عدم الفهم عنده أن يقال إن الأندر هو الكيلوت . لأنه فسر له الماء بعد الجهد بالماء .
هكذا صارت حياتنا كوميديا سوداء ومسخرة لانظير لها .
وصارت لغتنا بسبب احتلال عقولنا وهوية المحتل تميل مرة ناحية لغة الأتراك ومرة ناحية الفرنسييين ومؤخراً ناحية الإنجليز والأمريكان أما مفرداتنا ولغتنا نحن التي استقرت في مدننا وقرانا منذ قديم ومن ورائهما ثقافتنا ككل .. فقل عليها السلام.

قد يعجبك ايضا
تعليقات