القاهرية
العالم بين يديك

نفق مظلم محفوف بالفساد

138

بقلم السيد عيد
للفساد بشكل عام عدة أوجه وأنماط خطيرة، ولعل من أشهر المشاهد فى السينما المصرية الذى يكشف طريقة الفساد الإدارى هو مشهد من فيلم أبو حلموس

أوضة واحدة بيضتوها بـ92 جنيه.. ليه؟ بيضتوها بإيه.. لبن زبادي؟ مربة تفاح؟ ده نصب.. ده نهب.. بيني وبينك ناظر الوقف حرامي كبير من النوع التقيل.. حرامي حمار كمان».

وبدأ يعلمه كيف يسرق في التكاليف دون أن ينكشف، ناصحا إياه بـ«تستيف بنود الإنفاق»، قائلا: «كحت البياض القديم كذا.. صنفرة الحيطان بعد الكحت كذا.. تقطيب الثقوب والخروم كذا.. تلييس الحيطان كذا.. دهان أول وش كذا.. دهان ثاني وش كذا.. دهان ثالث وش كذا.. بكده تقدر تقيد 192 جنيها».

فالفاسد ضد كل من يحاول إصلاح الفساد أو حتى الإشارة إليه ويمكن القول بأن الفساد المالي ما هو إلا نتيجة لاحقة للفساد الإداري، ويؤدي هذا النوع من الفساد لعدة سلبيات ومخاطر كبيرة، كضعف الأداء في المؤسسات الحكومية والخاصة وتدني كفاءة وحجم الاستثمار المحلي والأجنبي ونقص الإنتاج والإيرادات الحكومية وعرقلة النمو الاقتصادي، كما أنه يضيع الحقوق ويهدد أخلاقيات العمل وقيم المجتمع، لينعكس أثره السلبي على جميع المجالات، فيعطل عملية التقدم والتنمية الشاملة.

أب شرعى ولكنه للفساد فيروس يحتاج لعلاج يضرب أطنابه بين جنبات أى تطوير أو نهوض ،

نجد الواسطة والمحاباة والمحسوبية، من أخطر مظاهره وأكثرها شيوعا وانتشارا

ما نشهده من فساد مالي متمثل في هدر وسرقة المال العام، إنما أساسه ومصدره هو فساد إداري أولاً يسهل له المهمة ، فهو الأب الشرعى لكل فساد آخر.

للفساد بشكل عام عدة أوجه وأنماط خطيرة، ومن أهمها الفساد الإداري، ويمكن تعريفه باختصار على أنه استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، ويتعلق عادة بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية والتنظيمية.

لا أدري لو قُدّر لي يوماً أن “أمسك” منصباً من تلك الفئة فهل سأكون “فاسداً” أم لا؟ وهل سيتجرأ أحد حينها على وصمي بالمفسد؛ وبالتالي محاسبتي، أم أن قيادتى له ستجبره على غض الطرف عني وسأتجه إلى الموظفين الصغار والتنكيل بهم.

أنا الآن مجرد موظف عادي، وليس لدي أي فرصة “للفساد” بمعناه المتعارف عليه، وليس من صلاحياتي تعطيل مسيرة أو إهمال أو فساد

كل ما يمكن أن “أفسد فيه” أشياء بسيطة،هى الصمت
العاجز قليل الحيلة.
جميعنا يتذكر صرخة الفنان أحمد زكي، في فيلم “ضد الحكومة”، وهو يقول:
“كلنا فاسدون.. لا أستثنى أحداً، حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة”، حيث يتناول الفيلم الفساد في قضايا التعويضات، وحوادث القطارات والنقل، من خلال شخصية محامي استطاع أن يلعب على القانون لمصلحته، حتى يصطدم بحالة خاصة وهي ابنه الذي يتعرض لحادث، ويبدأ هو القضية طامعًا في التعويض.

الفاسد فاسد يا سادة، سواء كان يسرق الملايين أو يهمل أو يصمت وهو يرى والفرق بين هذا وذاك أن “هذا” وجد مالاً يسرقه و”ذاك” لم يجد مالاً فسرق بصمته ما يظنه أقل ضرراً، بينما هو أكبر تأثيراً كلهم فاسدون.

في النهاية يبقى السؤال: هل وجود هيئة لمكافحة الفساد يدل على حرصنا على مكافحته، أم أنه اعتراف بأن الفساد قد انتشر وهو مايجعلنا نطلق العنان لصراخنا مع الحكومة ضد الفساد المتفشى.

قد يعجبك ايضا
تعليقات