أجرت الحوار رانيا ضيف
أستمد كتاباتي من الواقع ..
وقليل من دور النشر تؤدي رسالتها.
أديب أريب متفرد، موسوعة علمية وثقافية، ذو رؤية فلسفية حياتية خاصة ونظرة عميقة متفرسة ترصد مشكلات المجتمع وتقدمها بأسلوب أدبي ساخر ماتع. من مواليد الأسكندرية وحصل على ماجستير طب المناطق الحارة وصحتها وجاب الكثير من الدول العربية والأجنبية وعمل بها .
كان نزيلا لقصور الثقافة وتتلمذ على أيدي نخبة من قامات الفكر والأدب؛ مثل نجيب محفوظ، يوسف السباعي، ومحمود تيمور، ومحمد عبد الحليم عبد الله، وكانت له مراسلات ومناقشات مع ثروت أباظة .
له مجموعة قصصية بعنوان “همسات المقعد الخشبي” وتم نشر مجموعة تحت عنوان “قفص طماطم” ورواية “أيام جزائرية” من جزئين
ومجموعة قصصية بعنوان “الضرب في الميت”
ومجموعة قصصية تحت اسم “كورونا كورونا”
له العديد من المقالات بجريدة الأهرام المصرية .
-حضرتك كنت في زيارة سريعة لمصر بعد انقطاع سنوات ثم عدت للولايات المتحدة الأمريكية، حدثني عن انطباعك بعد الزيارة .
*رصدت تغير المجتمع وتراجعه، وغياب النظام والقانون، واختفاء الجمال وسيادة القبح في الفن وفي التعاملات، وغلبة القيم الاستهلاكية، ومحاولة التربح بأي شكل ومن أي باب .
-ما رأي حضرتك في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام وما رأيكم في الساحة الأدبية في مصر بشكل عام؟
*تزامن وقت المعرض مع استعدادي للسفر من جديد، فكان الوقت ضاغطا ولم أكن متحمسًا من الأساس لحضوره لأسباب كثيرة منها أنني لا يمكنني حمل الكثير من الكتب معي، ومنها أنني أعتمد حاليا على القراءة عبر شاشة الكمبيوتر بصيغة pdf .
تسألينني عن تقييمي لحركة النشر والحالة الإبداعية عموماً .. أخشى أن يكون رأيي في هذا الأمر محبطاً فأنا أقرأ وأسمع عن طوفان من الكتب المنشورة لأسماء غير معروفة حتى يصعب الفرز والانتقاء منها، وأجد أن كثيراً من الكتّاب صغار السن ينشرون عددًا من الكتب أكبر من خبراتهم الحياتية مما يعني أن هذه الكتابات لم تأخذ الوقت الكافي للنضج، ومن ثم لا ترقى لتشكيل حالة إبداعية مثمرة يعكسها هذا الكم الهائل من الكتب المنشورة .
الغالب أن كل مايهم هذا النوع من الكتّاب هو وضع أسمائهم على منشورات وكتب لا يلتفت إليها أحد، إما لتفاهة المحتوى أو لركاكة الأسلوب واللغة .
المسألة تحولت إلى عملية تجارية بمبدأ ” ادفع ننشر” أي أن الناشر التاجر يهمه أن يدفع له أي أحد وهو بدوره ينشر أي كلام مادام ذلك يرضي الكاتب ويملأ جيوبه هو، وقد استشرى هذا الوضع في غياب الناشر الواعي المثقف الذي ينتقي ماينشره بحيث يكتشف المبدعين ويدفع إلى الساحة الأدبية أسماء سيكون لها شأن في المستقبل . وباستثناء قلة قليلة من دور النشر المحترمة التي ترى في النشر رسالة لا تقل عن رسالة المبدع فإن الموضوع تحول إلى طباعة ” وخلاص” دون اهتمام بالمحتوى .
_ كيف أثرت الغربة على الدكتور محمد سواء على المستوى الشخصي أو الأدبي ؟
*على المستوى الشخصي كان الغياب عن مشاكل الناس وحركة المجتمع وهما الزاد الأساسي لأي كاتب جعلني أندهش جدا لاختلاف المجتمع الذي رأيته عن المجتمع الذي أعرفه،
لقد انقلب كل شيء وأصبحت أشعر بالغربة وأنا داخل وطني الذي أعشقه.
أما على المستوى الأدبي فهو ميلي للكتابة ذات الطابع الإنساني العام وليس عن الواقع الذي تحول إليه المجتمع وصرت غريبا عنه .
-لماذا اختار الدكتور محمد الجزائر تحديدا ليكتب روايته أيام جزائرية ؟ حدثنا أكثر عن الرواية .
*لأنني عشت في الجزائر أهم سبع سنوات في حياتي وحياة الجزائر .. لقد كنت أحد الشباب المصريين الذين ساعدوا في إعادة الجزائر إلى محيطها العربي .. كانت تلك الفترة هي فترة ما بعد تحرير الجزائر وتحولها إلى بلد عربي إسلامي، فاعتبرت نفسي شاهدا على فترة مهمة من تاريخ الجزائر، وكان لابد أن أنقل تجربتي كشاب مصري يرصد تحولات كبرى في بلد شقيق من خلال ما يتعرض له من أحداث .
-تناولت جوانب عدة من مشكلات المجتمع المصري بأسلوب ساخر وسرد سلس ماتع فلماذا أعتمدت أسلوب السخرية ؟
*أنا لا أتعمد الكتابة بأسلوب ساخر ولكن السخرية تنشأ من مخالفة ما هو كائن لما ينبغي أن يكون في الواقع الذي نعيشه ولذلك عندما نحكي عن الواقع يبدو أن الأمر مثير للسخرية .
-استخدمت الرومانسية والواقعية والسخرية والرمزية في مجموعة القصص المنتقاة تحت مسمى “كورونا كورونا ” بينما غلبت الرومانسية في مجموعة “همسات المقعد الخشبي” فما اللون الذي يفضله د. محمد منصور ؟
*أنا أستمد كتاباتي من الواقع بشكل عام ولا أميل بشكل عام للكتابة العجائبية أو الرمزية ..
والرمزية عندي واضحة وضوح الشمس بحيث لا يتوه القارىء أو يضرب أخماسا في أسداس ليكتشف رمزية ما أكتب ..
وبشكل عام أميل للواقعية الرومانسية.
-كتاباتك الناقدة بأسلوب ساخر أو الواقعية تسلط الضوء على المشكلات التي يضج بها المجتمع تبدو مهموما بالوطن وثائرا عليه في نفس الوقت ما تعليقكم ؟
*هذا أمر طبيعي كوني أحد الذين عاشوا أحلام الوطن الكبرى التى رفعتنا إلى السماء ثم ألقتنا من هناك لنصطدم بالأرض بلا رحمة ..
لذلك أدركت أن دغدغة آمال الناس بإغراقهم في الأحلام هو نوع من النصب والضحك على الذقون، لذلك أسخر من هذه الأحلام وأنتقدها، لأنني لا أريد أن تنشأ أجيال تتعاطى الخرافة وتغرق في الأحلام كما حدث مع جيلنا .
-ما رأي الدكتور محمد في الكتابة النسوية واستهجان المجتمع لما تسرده الكاتبة من واقع حياتي تعاني منه المرأة ؟وهل نجحت في تبني مشاكل المرأة ؟
*أعتقد أن الكتابة النسوية قد تراجعت تراجعا مخجلا في عصرنا الحالي نتيجة كثرة القيود المفروضة على أفكارها ومشاعرها .. المرأة مكبلة بقيود الواقع والتقاليد والأصول فهي ليست حرة أبدا في التعبير عما تحسه، ولعل نظرة إلى شكل المرأة في الأربعينات والخمسينات والستينات وشكلها في الألفية الثالثة يشرح لك ما أقصد بتراجع الكتابة النسوية، لقد سارت المرأة أشواطًا طويلة إلى الخلف .
-تتلمذت على يد قامات في الأدب والثقافة والذين كان لهم تأثيرا فعالا على كتاباتك
هل ترى مبدعي اليوم يجدون هذا الدعم والنصح ؟
*أعتقد أن إيقاع الحياة السريع، وضغوط الحياة المادية، وتغير أدوات الإبداع بدخول وسائل الاتصال الحديثة، وسطوة الأدوات الإليكترونية كل ذلك قد غير مفهوم التلمذة ذاته ..
لقد صارت الهوة واسعة بين الأجيال، وأصبح الأستاذ بحاجة لأن يتعلم من تلاميذه .
-ترجمت قصة طلاق بالمراسلة والتي كانت تجربة ثرية جدا فما رأيكم في الأدب المترجم ؟
*ليس كل الأدب المترجم جيدا في نقل أفكار الكاتب كما أرادها، قليلة هي الأعمال المترجمة التي استطاعت نقل العمل الإبداعي نصا وروحا، لذلك أرى أن يعيد المترجم صياغة النص إلى اللغة التي يترجم إليها وألا يركز فقط على نقل المعنى اللفظي وإلا فقد النص روحه، لأن لكل لغة روحها التي تحركها .
-ما الرواية التي تمنى الدكتور محمد لو كان كتبها ؟
*كل رواية قرأتها واستمتعت بقراءتها تمنيت لو كنت أنا كاتبها .
-كيف ترى موقعك بين الكُتّاب المعاصرين؟
*أنا لا أعتبر نفسي كاتبا بالأساس، أنا أحد هواة الكتابة، فأنا مقل جدا ولا أكتب إلا إذا ألحت علىَّ فكرة معينة، وحتى في هذه الحالة لا أستعجلها ولا أسارع بإفراغها على الورق، ولذلك كثيرة هي الكتابات التي توقفت عن إكمالها لأن إلحاح الفكرة لم يجبرني على ذلك .. كنت هاويًا وسأظل كذلك بإذن الله .
في نهاية حوارنا نشكر حضرتك ونتمنى لك مزيدا من الإبداع والتوفيق .