القاهرية
العالم بين يديك

تأويل قول الله تعالي “وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا” 

119

بقلم الأستاذ الدكتور _ عادل خلف عبدالعزيز استاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.

لازلت علي يقين ، وسأظل هكذا ، أن الدراسات التأويلية تثري الفكر وتكسبه خصوبة، وتكسبه حيوية وديناميكية.
بل وتجعل الإنسان يحلق في فضاء رحب، طالقا لعقله العنان سابحا في بحور اللامتناهي، بحاثا عن كنه الحقيقة.
مستخدما كل ما أوتي من جوامع الكلم والبيان، وبلاغة الخطاب.
مقالي قراءة تأويلية لأية أو بتعبير أدق جزء من آية من سورة الإسراء.
لنثبت للمتنطعون المتعالون المتطاولون علي القرآن الكريم، لنثبت لهم أن القرآن وآياته بيان وخطاب صالح لكل زمان ومكان.
ولنثبت أنه كتاب حركي ديناميكي مستمر، يمس الوجدان والقلوب وتتفهمه العقول.
مفهوم الرحمة لغة واصطلاحاً.
يقول الفيروزآبادي صاحب القاموس المحيط، في شرحه لمعني الرحمة في مادة رحم :
رحم:الرحمة ويحرك:الرقة والمغفرة والتعطف، ويختص برحمته أي بنبوته، فالنبوة رحمة.
والرحم بالكسرفي الحاء ككتف:بيت ، منبت الولد ووعاؤه.
والمرحوم مدينة شرفها الله تعالى.
انظر ، الفيروزآبادي ، القاموس المحيط، مادة رحم، الجزء الرابع.
وفي مختار الصحاح: الرحمة ، الرقة والعطف.
ومرحمة، ترحم عليه أو تراحم القوم ، رحم بعضهم بعضا. انظر مختار الصحاح، مادة رحم.
المفهوم الإصلاحي : بالرحمة نداء لالتماس المغفرة والصفح، أو لاستثارة الشفقة.
بالرحمة رقة القلب وعطفه.انظر ابن منظور، لسان العرب مادة رحم.
إذن الأصل في تأويل الآية الكريمة الدعاء للوالدين بالرحمة والمغفرة، والصفح أي أن يعفو الله تعالي عنهم إن كانا من أهل القبلة وماتا علي ذلك.
كما ورد في قوله تعالي (ربنا اغفر لي ولوالدي).
أمور غريبة نراها في حياتنا المعيشة، أمور ما أنزل الله بها من سلطان ، عقوق للوالدين_الا مارحم ربي_
والعقوق من الممكن ان جاز لي أن أقسمه إلي قسمين :عقوق مادي ويتمثل في إهمال الأبناء لآبائهم وعدم الإنفاق عليهم، وتفضيل أزواجهن والاهتمام بأبنائهم .
ليس هذا وحسب بل يصل الإجرام ولا اتحرج من هذا اللفظ فهو فعلا جريمة أن يضع الأبناء أبائهم في دور للمسنين، لماذا لأن الهانم بنت الذوات تريد ذلك _والله بفعلتها هذه تكون بنت ذوات الأربع، بنت الأفاعي، عديمة الأصل.
وإذا انقاد خلفها زوجها فلينتظر لعنات الرب تنصب عليه صبا.
وسيفعل معه أولاده هكذا، لماذا لأن الديان لا يموت.
وإذا لم يودعوه دار المسنين فعلي الأقل سيعزلونه في غرفة يأكل ويشرب لحاله.
هذه صورة من صور العقوق، ثم صورة أخرى السب واللعن والضرب الذي قد يتعرض له بعض الآباء من أبنائهم بطريق مباشر وجها لوجه، إذا تأخروا عليهم في عمل شيئ أو تأخروا في تلبية حاجة لهم.
وغير مباشر ما نسمعه في شوارعنا من الشباب الذين يسبون بعضهم البعض بالوالدين، وما يحدث من جميع الفئات العمرية في المدارس والمعاهد وللأسف في الجامعات من التهريج بسب الأبوين.
أليست هذه ظواهر غريبة علينا،ألسنا في حاجة إلي دراسة مثل هذه الأمور للوقوف علي ما أصابنا من عطن أخلاقي وانسحاق قيمي.
عقوق معنوي، من الممكن أن توفر لهم كل الإمكانيات من الأطعمة واللباس والمسكن المريح، لكن يفتقدونك أنت يفتقدون البنوة،حنان وحنو الابن علي أبيه وأمه، ولا تقول الانشغال في العمل والكد في طلب الرزق ولا تقدم حججا واهية.
لورجعت من عملك وجلست معهما وقبلت أيديهما وداعبتهما لنلت الخير كله،خيري الدنيا والآخرة.
فكن لهم ترياق يشفي نفوسهم ، ضمتك لأمك تشعرها بالأمان في هذا السن الحرج.
ألم يقل النبي للفتي الذي يريد أن يذهب معه للجهاد هل لديك أبوين، قال لي أم، قال المعصوم صلي الله عليه وسلم، تحت قدميها فألزم.
ألم يقل سيدنا يحيي بن زكريا وبرا بوالدي، ألم يقل سيدنا عيسي عليه السلام، وبرا بوالدتي.

إذن وجوه بر الوالدين كثيرة،اذا كانوا أحياء بتوفير حياة كريمة لهم تليق بمقام الأبوة ومقام البنوة الرفيعين.
وإذا كانوا أمواتا بالدعاء لهم وزيارتهم والاستغفار،وان كنت في استطاعة من أمرك أن تعتمر وتحج لهما بعد اعتمارك وحجك لنفسك.
إن تبر أقاربهم ،أصدقائهم وجيرانهم ،وان تفعل معهم ولهم كل ما كانوا يفعلوه معهم من اطعامهم وأخذ الهدايا ولو البسيطة لهم.
وكلما أتيحت لك فرصة فيها خير لهم لا تتأخر في اقتناصها فبر الآباء ينعكس علي الأبناء بفتوحات الخير وبسعادة الدارين.
حقا صدق الله ومن أصدق من الله قيلا ومن أصدق من الله حديثا.
(وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)
صدق الله العظيم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات