القاهرية
العالم بين يديك

الخوف المستمر دون سبب.. ما تفسيره؟

62

بقلم: د/ بسمة خالد

قد تستيقظ صباحًا، وكل شيء يبدو طبيعيًا من حولك، لا مشكلات واضحة، ولا أحداث مفزعة، ومع ذلك، هناك شعور داخلي يخبرك بأن ثمة خطر قادم. قلبك يخفق بسرعة، أفكارك مضطربة، وعقلك منشغل باحتمالات سيئة لا مبرر واضح لها. تشعر وكأن جسدك متأهب دائمًا يراقب، ويتوقع، ويتوتر، دون سبب ظاهر.

هذا ليس ضعفًا ولا مبالغة ولا يعني أنك شخص سلبي. ما تعيشه له تفسير علمي واضح يُسمى: فرط الانتباه العصبي – Hypervigilance.

عندما يمر الإنسان بصدمة نفسية أو تجربة مؤلمة في الماضي، قد يظل الجهاز العصبي في حالة يقظة مفرطة، كأن شيئًا خطيرًا على وشك الحدوث. يراقب كل صوت، وكل حركة، وينتبه لأدق التفاصيل بحثًا عن تهديد محتمل، حتى لو لم يكن هناك أي خطر حقيقي. جسمك يتصرف وكأن المعركة ما زالت قائمة، رغم أنها قد انتهت منذ زمن بعيد.

وفي حال تعرّض الإنسان لحدث صادم، يحتفظ الدماغ بهذه التجربة كإشارة تحذير مستمرة. ومن هنا، تبدأ أبسط المواقف في استدعاء نفس الإحساس بالخطر. فتعيش في حالة استعداد دائم، وتشعر بالقلق في مواقف كان من المفترض أن تمنحك راحة وأمانًا.

والأصعب من ذلك أن الآخرين لا يرون ما يحدث داخلك، وقد يظنون أنك تبالغ أو حساس أكثر من اللازم، بينما الحقيقة هي أنك فقط بحاجة إلى مساحة آمنة لا إلى الأحكام.

هل هناك علاج؟ نعم، هناك علاج.

وأولى خطواته هي أن تُدرك أن هذا الخوف ليس “جزءًا من شخصيتك”، لكن هو نمط عصبي تكون نتيجة ما مررت به. وهذا يعني أنه من الممكن تغييره، ومعالجته.

هناك ممارسات يومية بسيطة تساعد على التهدئة مثل:
– تمارين التنفس العميق.
– التأمل والوعي بالجسم.
– كتابة اليوميات لتفريغ المشاعر.
– تقليل مصادر التوتر في محيطك اليومي.

لكن الأهم من ذلك هو ألا تحاول تجاوز الأمر بمفردك. جهازك العصبي لا يحتاج للمقاومة لكن إلى الأمان. وإذا كنت تشعر بأنك دائمًا في حالة توتر أو تتوقع الأسوأ بدون سبب واضح، فاعلم أنك لست وحدك، وأن ما تمر به له تفسير، وله علاج.

والخطوة الأهم: أن تتوجه لاختصاصي نفسي يساعدك على فهم ما يحدث داخلك، ويضع معك خطة لاستعادة إحساسك بالأمان من جديد.

العلاج النفسي لا يُغيّر ماضيك، لكنه يُعيد لجهازك العصبي الشعور بأن الخطر انتهى، وأنك الآن في أمان.

قد يعجبك ايضا
تعليقات