ريناد حسام
في شوارع المدن العربية، ينتشر مشهد مألوف لكنه مؤلم: أطفال يحملون أحلامًا صغيرة فوق أكتافٍ هزيلة، يتجولون بين إشارات المرور، أو يفترشون الأرصفة، أو يلهثون خلف الفتات. ليست هذه مجرد صور عابرة، بل ملامح لظاهرة اجتماعية خطيرة تُعرف بـ”أطفال الشوارع”، والتي تمثل قنبلة موقوتة تهدد بنية المجتمعات ومستقبل الأجيال.
من هم أطفال الشوارع؟
لا يقتصر وصف أطفال الشوارع على أولئك الذين ينامون في العراء فحسب، بل يشمل أيضًا من يقضون جلّ أوقاتهم في الشارع طلبًا للرزق أو هربًا من واقع مرير. فهؤلاء الصغار قد يكون لهم منزل يعودون إليه أحيانًا، لكنهم يفتقدون في الغالب للدفء الأسري، والرعاية، والتعليم، والأمان.
جذور الأزمة: فقر، عنف، وتهميش
الظاهرة تنمو في تربة قاحلة من الفقر المدقع، والتفكك الأسري، والعنف المنزلي، وانعدام الوعي التعليمي، وانهيار البنية الاجتماعية. كثير من الأطفال يُدفعون للشارع بسبب أزمات معيشية أو نزاعات أسرية أو حتى بسبب الحروب والهجرات القسرية.
ولعل الأخطر هو غياب السياسات الفعالة، ووجود ثغرات قانونية تُبقي هؤلاء الأطفال عرضة للاستغلال الجنسي والعمالة القسرية وتجنيدهم في شبكات الجريمة والمخدرات.
الآثار المدمرة… على الفرد والمجتمع
طفل الشارع لا يفقد فقط حقه في الطفولة، بل يتعرض لأضرار صحية ونفسية جسيمة. فهو يعاني من سوء التغذية، والأمراض، والاضطرابات السلوكية، وقد يُصاب بإدمان أو يقع في فخ الجريمة.
أما على الصعيد المجتمعي، فظاهرة أطفال الشوارع تساهم في تفشي الجريمة والعنف، وتشكل تهديدًا مباشرًا للنسيج الاجتماعي والاستقرار الأمني.
كيف نكافح هذه الظاهرة؟
مواجهة هذا التحدي لا تكون إلا عبر خطة وطنية متكاملة، تنطلق من معالجة الأسباب الجذرية، مرورًا بتوفير المأوى والرعاية، وصولًا إلى الحماية القانونية والدمج المجتمعي.
أبرز أدوات المواجهة تشمل:
دعم الأسر الفقيرة وتوفير فرص عمل كريمة.
تعزيز التماسك الأسري والتدخل المبكر لحماية الأطفال من العنف المنزلي.
توفير تعليم مجاني وجاذب يحد من التسرب المدرسي.
إنشاء مراكز إيواء متخصصة توفر للأطفال الرعاية المتكاملة.
سن وتفعيل قوانين صارمة ضد الاستغلال والتسول وعمالة الأطفال.
برامج تأهيل مهني للأطفال الأكبر سنًا لدمجهم اقتصاديًا.
إطلاق حملات توعية لدعم دور المجتمع والأسرة في حماية الطفل.
مسؤولية جماعية لا تقبل التأجيل
إن أطفال الشوارع ليسوا مجرد ظاهرة عابرة، بل إنذار صريح بانهيار منظومات الرعاية والحماية الاجتماعية. والتعامل مع هذه الأزمة لا يجب أن يكون موسميًا أو مؤقتًا، بل واجبًا وطنيًا دائمًا، يتطلب تضافر جهود الحكومات، والمجتمع المدني، والمنظمات الدولية، وكل فرد لديه ضمير حي.
فإنقاذ طفل من الشارع… هو إنقاذ وطن بأكمله.
