بقلم: د/ بسمة خالد
في زمنٍ تهيمن عليه المقارنات الرقمية، وتُقاس فيه القيمة بعدد الإعجابات، وتُربط فيه السعادة برضا الآخرين، يصبح الاكتفاء الذاتي مهارة نادرة، لكنها ضرورية. هو تلك الحالة التي لا تنتظر فيها من أحد أن يمنحك قيمتك، لأنك ببساطة تدركها جيدًا. هو أن تشعر بالرضا عن نفسك، حتى لو لم يصفق لك أحد.
ماذا يعني أن تكتفي بنفسك؟
الاكتفاء الذاتي لا يعني الانغلاق أو الغرور، وإنما هو نوع من الاتزان النفسي. أن تكون قادرًا على الوقوف بثبات حتى لو لم يكن هناك من يساندك. أن تجد السعادة في لحظاتك البسيطة، دون حاجة دائمة لمن يملأ فراغك العاطفي. أن تحب ذاتك بما يكفي لتمنحها ما تستحق، من دون انتظار إذن من أحد.
لماذا نفتقد هذا الشعور أحيانًا؟
كثيرون تربوا على فكرة أن الحب يجب أن يُكسب، وأن القبول مشروط. فكبروا وهم يركضون خلف رضا الآخرين، متجاهلين صوتهم الداخلي. ومع الوقت، يصبح من الصعب أن يشعر الإنسان بالاكتفاء، لأن مصدره أصبح خارجيًّا لا داخليًّا.
كيف نبدأ في بناء الاكتفاء الذاتي؟
الخطوة الأولى هي الاعتراف بقيمتك، بعيدًا عن المقارنات. ليس عليك أن تكون الأفضل، يكفي أن تكون صادقًا مع نفسك. بعد ذلك، يأتي تقدير الذات من خلال أفعال بسيطة: تخصيص وقت لما تحب، التحدث مع نفسك بلطف، والتوقف عن انتظار الكمال. تذكّر أن الاهتمام بنفسك لا يعني الأنانية، في الواقع، هو علامة نضج ووعي واحتواء للذات.
هل نحتاج الآخرين؟
بالطبع. نحن كائنات اجتماعية، ونحتاج الدعم والمشاركة. في المقابل، الشخص المكتفي ذاتيًا لا يجعل وجوده معتمدًا على الآخر. هو يشارك من منطلق الحب، لا من منطلق الحاجة. يحب بوعي، ويطلب المساندة بوضوح، لكنه لا ينهار إن لم يجدها.
في النهاية، الاكتفاء الذاتي لا يُبنى في يوم، وإنما يبدأ من لحظة صدق مع النفس. لحظة تقرر فيها أن تكون صديقًا لذاتك، لا قاضيًا عليها. أن تمنحها الحب والاحترام، دون انتظار تصريح من أحد. وحينها، ستجد نفسك أقرب إلى السلام، مهما كانت ضوضاء العالم من حولك.
