القاهرية
العالم بين يديك

الإعلام بين الحقيقة والسطحية: هل فقدنا بوصلة الرسالة؟”

4

محمود سعيدبرغش

لم يعد الإعلام اليوم منبرًا يرفع الوعي وينقل الحقيقة بصدق، بل تحوّل في كثير من حالاته إلى مساحة لصناعة الوهم وتسويق التفاهة. لم يعد يسعى لتعزيز القيم، بل أصبح يضخم الأشخاص بدل الأفكار، ويعلي من شأن السطحيات على حساب الجوهر.

تتصفح الشاشات، فتجد أخبارًا لا تغني ولا تسمن: من تزوج، من انفصل، من غنّى ورقص، ومن صلّى في حيٍ معين، ومن ارتدى الحجاب أو تخلى عنه. يتصدر مشاهير “التيك توك” العناوين، ويُقدمون كقدوة رغم بعدهم عن أي قيمة حقيقية. كل هذا يُسوَّق زورًا على أنه “فن هادف” أو “ترفيه راقٍ”، بينما هو في جوهره استهلاك سطحي لا يغذي عقلًا ولا يزرع قيمة.

أين الإعلام من قضايا الناس الحقيقية؟ من الفقر والبطالة، ومن الانهيار الأخلاقي والتفكك الأسري؟ أين هو من سرد سير العظماء الذين صنعوا التاريخ؟ من نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، الذي بات شباب كثير منهم لا يعرف أسماء زوجاته، ولا يعرف القادة العشرة المبشرين بالجنة، ولا يميز بين “أبي بكر” و”خالد بن الوليد”، بينما يحفظون أدق تفاصيل حياة مغنٍ أو مؤثرة على السوشيال ميديا!

متى سنعيد للإعلام دوره الأصيل؟ متى نحرّره من قبضة المال والمنطق التجاري الضيق؟ متى ندرك أن الإعلام هو ضمير الأمة، لا مجرد أداة لتنويم الشعوب؟ متى نعترف أن الشهرة لا تعني بالضرورة قيمة، وأن عدد المتابعين لا يعكس عمق الرسالة؟

نحتاج إعلامًا يُعلّم قبل أن يُسلّي، يُحرّك العقول لا الغرائز، يُنير الطريق لا يُضلل، يرشِد بدلاً من أن يُشوّش.

الترفيه حق مشروع، لكن ليس على حساب الوعي، ولا على حساب ديننا، وتاريخنا، وهويتنا.

فهل نبدأ التغيير الآن؟ أم نختار الاستمرار في مطاردة الظلال بينما تغتال الحقيقة أمام أعيننا؟

قد يعجبك ايضا
تعليقات