بقلم: عمر ماهر
من بين زحام الإنتاجات الفنية وتكرار الألحان، بزغ نجم دنيا النوبي كصوت فريد لا يشبه أحدًا، لتفاجئ الساحة الفنية بأغنيتها “غصب عني”، التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي وتحولت في وقت قياسي إلى ظاهرة موسيقية وإنسانية عابرة للحدود.
هذه الأغنية ليست مجرد عمل فني تقليدي، بل حالة شعورية مكتملة العناصر، نسجها الشاعر العالمي آدهم معتز بكلمات تنبض بالوجع، وتحمل بين سطورها صورًا شعرية مدهشة، تختصر مئات القصص الإنسانية بجملة واحدة. كتبها بصدق نادر، كأنها مرآة لكل من أحب وتألم، لكل فتاة خذلها من تمنّت له الخير، ولكل شاب ضاع بين الحنين والواقع. كل كلمة في النص كانت كطلقة شعورية، تهزّ القلب دون استئذان.
أما اللحن، فكان توقيع المبدع تيام علي، الذي نسج نغمة تخاطب الإحساس وتغوص في الأعماق، بتوازن مذهل بين البساطة والعمق. وجاء التوزيع الموسيقي من يوسف حسين ليمنح الأغنية طابعًا عالميًا دون أن يسلبها روحها الشرقية، بينما كان أداء مصطفى ناصر على الجيتار ومحمود شاهي على الكيبورد بمثابة العمود الفقري للتجربة الصوتية الدافئة.
دنيا النوبي… صوتٌ لا يُغنّي بل يُعبّر
في “غصب عني”، لم تكن دنيا النوبي تؤدي أغنية، بل كانت تحياها. صوتها حمل صدقًا نادرًا، وأداءها كان انعكاسًا حقيقيًا لوجع أنثويّ عميق. لم تتصنّع، ولم تستعرض تقنيات غنائية؛ بل تركت للمشاعر حرية الانسياب. غنت كما لو كانت تبوح بسرّ قديم أمام صديق مقرّب، فلامست القلوب بصوت لا يُنسى.
صورة بصرية تروي ما وراء الصوت
المخرج أحمد حمدي تجاوز حدود التقليد، وصنع من الفيديو كليب لوحة فنية متكاملة. كل لقطة كانت محمّلة بالرمزية، من الألوان إلى الإضاءة إلى حركة الكاميرا، ليرتقي بالكليب إلى مستوى فيلم قصير يتماهى مع عمق الأغنية، دون أن يسقط في فخ التكرار أو الابتذال.
انتشار استثنائي… من مصر ولبنان إلى العالم
منذ اللحظة الأولى لصدور “غصب عني”، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي. ملايين المشاهدات، مقاطع منتشرة، تفاعل واسع من الجمهور والمشاهير، وتعليقات بلغات مختلفة. الأغنية لم تبقَ محصورة في العالم العربي، بل تجاوزته، لتصبح واحدة من أسرع الأغاني العربية التي تصل إلى قلوب المستمعين عالميًا بهذا الشكل اللافت.
“غصب عني” ليست مجرد أغنية ناجحة، بل بداية لتحوّل في الذائقة الموسيقية العربية. هي عمل يذكّرنا بأن الصدق هو أقوى أدوات الفن، وأن الكلمة إذا كُتبت من القلب، وصلت إلى كل القلوب.
دنيا النوبي أثبتت أنها ليست مجرد صوت، بل حالة شعورية نادرة في زمن يطغى عليه الاصطناع. وآدهم معتز أعاد تعريف الشعر الغنائي بكلمات تحفر الذاكرة. و”غصب عني” ستظل محفورة كعلامة فارقة في مسار الغناء العربي الحديث.
