متابعة _ مريم عوض
في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة بشكل غير مسبوق، أصبح الإنسان المعاصر عرضة لما يمكن تسميته بـ”الاختناق العقلي”؛ ذلك الشعور الثقيل الذي يخنق الأفكار ويعطّل الذهن عن العمل بمرونة. التوتر لم يعد مجرّد حالة طارئة، بل تحوّل إلى مرض مزمن، يُصيب الفرد في شكله الفكري ويخلّف خللاً في عصفه الذهني، حتى أصبح من أكثر أمراض العصر شيوعًا وخطورة.
من أين يبدأ التوتر؟
ببساطة، يبدأ التوتر من الضغط العصبي المتواصل، ومن التفكير في أكثر من شيء في وقتٍ واحد، بل وفي إعادة التفكير مرارًا وتكرارًا في نفس المشكلة. هذا التراكم الذهني المربك يُحوّل التوتر إلى دائرة مفرغة، لا تُنتج إلا تعبًا نفسيًا، وانهيارًا عصبيًا، وربما أمراضًا عضوية لاحقة.
الغريب في الأمر أن أغلب حالات التوتر ليست ناتجة عن مواقف حقيقية ملموسة، وإنما عن أوهام ذهنية يصنعها الإنسان بنفسه. نعم، نحن أحيانًا من نؤذي أنفسنا بأفكارنا. التوتر أغلبه “وهم”، لكنه وهم قادر على أن يأخذنا إلى منطقة الخطر إذا استسلمنا له.
الأذكار والتأمل… طريق للراحة الذهنية
يؤكد د. محمد مصطفى، استشاري ودكتوراة في العلوم السلوكية، أن كثيرًا من الناس يلجأون إلى التأمل واليوغا وموسيقى الاسترخاء، ولكنهم يتجاهلون أثر الأذكار على النفس والعقل. بدون حضور ذهني حقيقي، وبدون تأمل في المعاني، لن يصل الإنسان إلى الراحة التي ينشدها.
الأذكار ليست مجرد كلمات تُردد، بل هي وقود روحي يضبط الإيقاع الداخلي للنفس. غياب التأمل في معانيها يعني أنك تفقد أهم مفاتيح التوازن. في المقابل، الاسترخاء مهم جدًا في العلاج النفسي، لأنه يعمل على تهدئة الجهاز العصبي ويمنح سيكولوجية الفرد الأولوية، فيستطيع أن يعيد ترتيب أفكاره من جديد.
الأفكار… مفاتيح النجاة أو أبواب التدمير
الفكرة ليست مجرد ومضة ذهنية، بل هي اللبنة الأولى في بناء الحالة النفسية. فإن كانت إيجابية، فهي كفيلة بأن تساعدك، وتطورك، وتحل لك ما استعصى من المشكلات. أما إن كانت سلبية، فهي بمثابة قنبلة موقوتة، قد تعطل حياتك في أشياء كثيرة، وتزيد من حدة التوتر، بل وتفتح لك أبواب القلق والاكتئاب.
ما الحل؟ وكيف نواجه هذا الوحش الصامت؟
لا يحتاج الإنسان المعاصر إلى علاج معقّد بقدر ما يحتاج إلى العودة للبديهيات. التنفس بعمق، المشي في الهواء الطلق، الاستحمام بالماء المناسب لطقس اليوم، البقاء وحيدًا في غرفة لتفريغ الطاقة الذهنية… كلها أدوات بسيطة لكنها فعّالة.
أحيانًا، يكون الحل في لحظة هدوء، وليس في جرعة دواء.
أثر الكلمة على النفس… لا يُستهان به
الكلمة تقتل، والكلمة تُحيي. الكلمة الإيجابية إذا سمعتها، أنصت لها جيدًا، دعها تتسلل إلى أعماقك، فهي بلسم للروح. أما الكلمة السلبية، اهرب منها فورًا، لا تمنحها الفرصة لاحتلال عقلك، ولا تُجازف بجعلها جزءًا من خطابك الداخلي.
ويختم د. محمد مصطفى حديثه قائلًا:
“عندما يبدأ الإنسان في التحكم في أفكاره، يبدأ التوتر في التراجع، وحين يعيد ترتيب أولوياته، يجد نفسه من جديد.”
