القاهرية
العالم بين يديك

عن الوجع أتكلم

12

م/ رمضان بهيج

عندما ينكر شريك العمر مجهودك فالموت افضل من “عتاب لا يسمن ولا يغنى من جوع ”

هذا يصف حالة الجدب وعدم النفع. ولكن هناك مرارة أشد وطأة، ووجعًا أعمق غورًا، ألا وهو إنكار المجهود وجحد العطاء، خاصة عندما يأتي من أقرب الناس، من شريك العمر الذي يفترض به أن يكون السند والعضد. في تلك اللحظة، يصبح الموت أهون من حياة تفتقر إلى التقدير والاعتراف بالجهد والعطاء .

شريك العمر عندما يُنكر الجهد ويُجحد العطاء تلك مرارة تفوق كل الجروح .

إن الإنسان بطبعه تواق إلى التقدير، يسعى لأن تُرى جهوده وتُثمّن مساهماته. وعندما يبذل المرء طاقة و وقتًا وروحًا في سبيل بناء حياة مشتركة، أو تحقيق هدف نبيل، فإن اعتراف الآخرين، وخاصة شريك الحياة، يمثل الوقود الذي يديم هذا العطاء ويزيده بركة. أما التجاهل والنكران، فهما بمثابة سم بطيء يسري في الأوصال، يفتك بالحماس ويقوض دعائم الثقة والمودة.

تخيل شخصًا أفنى زهرة شبابه في رعاية أسرة، أو بناء مشروع، أو دعم شريك في محنة. ثم يجد نفسه في نهاية المطاف وكأن كل ما قدم لم يكن شيئًا، وكأن جهوده لم تُبذل، وعطاءه لم يُرَ. أي ألم أشد من هذا؟ أي خيبة أعمق من أن يشعر المرء بأنه غير مرئي، وأن قيمته تُختزل إلى صفر؟

إن إنكار مجهود الشريك ليس مجرد تقليل من شأن فعل مضى، بل هو هدم لجسر التواصل، وتصدع في بنيان العلاقة. إنه يزرع بذور الشك والريبة، ويفتح الباب أمام مشاعر الغضب والإحباط. يصبح القلب مثقلًا بالمرارة، وتتلاشى الرغبة في المزيد من العطاء، فما الداعي لبذل الجهد إذا كان مصيره النسيان والجحود؟

في تلك اللحظات الحالكة، قد يراود المرء شعور بأن الموت أرحم. ليس لأنه يتمنى فناءً حقيقيًا، بل لأنه يتوق إلى نهاية لهذا الألم الروحي العميق، لهذا الشعور بالخواء وعدم القيمة. إنه يهرب من واقع مؤلم لا يرى فيه تقديرًا أو اعترافًا، واقع يشعره بأنه عبء لا قيمة له.

لا شك أن الحياة مليئة بالتحديات والصعاب، وأن سوء الفهم والتقصير قد يحدث بين الشركاء. ولكن الوعي بأهمية التقدير والاعتراف بالجهود هو حجر الزاوية في بناء علاقات صحية ومستدامة. كلمة شكر صادقة، أو لفتة تقدير بسيطة، يمكن أن تفعل الكثير في ترميم الروح وبعث الحماس.

فلنتذكر دائمًا أن الكلمات الطيبة صدقة، وأن الاعتراف بفضل الآخرين هو من أسمى معاني الإنسانية. ولنحرص على أن نكون مصدر دعم وتقدير لمن حولنا، وخاصة شركاء حياتنا، حتى لا يصلوا إلى تلك اللحظة التي يرون فيها الموت أهون من حياة خالية من التقدير والاعتراف. فالحياة المشتركة تُبنى على المودة والرحمة والاعتراف المتبادل بالفضل، لا على الجحود والنكران الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، بل يترك في القلب جرحًا عميقًا قد لا يندمل أبدًا.

عن الوجع أتكلم

قد يعجبك ايضا
تعليقات