بقلم: د/ بسمة خالد
“لماذا نرتاح مع شخص معين رغم أننا قد نحب غيره أكثر؟”
سؤال بسيط، لكنه يكشف عن أحد أعمق احتياجاتنا في العلاقات: الأمان. فالحب لا يكون كافيًا دائمًا، ولا يكون الشغف وحده هو ما يجعلنا نتمسّك بشخص ما. كثيرًا ما نختار الشخص الذي نشعر بالراحة معه، الذي نشعر إلى جواره أننا لسنا مهددين، حتى وإن صمتنا، أو ظهر ضعفنا.
ما هو “الأمان العاطفي”؟
الأمان لا يعني فقط أن الطرف الآخر لا يجرحك، أو أنك واثق من حبه لك. الأمان العاطفي هو شعور داخلي يمنحك حرية أن تكون على سجيتك، بكل ما فيك، دون أن تخاف من النقد أو التهميش. هو أن تشعر أنك تستطيع التحدث عن مخاوفك، أن تكشف ضعفك، أن تطلب ما تحتاجه، فتُقابل بالقبول لا بالرفض أو التجاهل. هو أن يكون وجودك مقبولًا دون أن تضطر لتكون مثاليًا طوال الوقت، وأن تُحتوى مشاعرك حتى في لحظات التوتر.
لماذا نحتاجه؟
لأن الإنسان بطبعه يبحث عن الاستقرار وسط تقلباته النفسية. وعندما نكون في علاقة تخلو من الأمان، نعيش في حالة دائمة من الترقّب، نخاف أن نتكلم، أو نطلب، أو نُظهر مشاعرنا. ومع مرور الوقت، تتحول العلاقة إلى عبء عوضًا عن أن تكون مصدرًا للراحة.
الأمان في الحب يجعل العلاقة بيئة خصبة للنمو، لا ساحةً للصراع. فعندما نشعر أننا لسنا في خطر، نبدأ في فتح قلوبنا، ويأخذ الحب حينها شكلاً أعمق، بعيدًا عن التكلّف والخوف من الهشاشة.
الأمان ليس ضعفًا
يظن البعض أن العلاقة الآمنة مملّة، وأن الأمان يعني غياب الإثارة أو الشغف. لكن الحقيقة أن الأمان ليس نقيض الشغف، وإنما هو ما يسمح له بالبقاء. فعندما نطمئن لبعضنا البعض، نبدأ بالتعبير بحرية، ونضحك بعمق، ونخطئ ونتعلم دون خوف. العلاقات الآمنة تسمح لنا بأن نكون بشرًا، لا نسخًا مثالية تخشى الانكسار.
كيف نجعل علاقتنا مكانًا آمنًا؟
أولًا: الاستماع دون إطلاق الأحكام. حين يتحدث الطرف الآخر، استمع بقلبك لا بعقلك الذي يبحث عن رد.
ثانيًا: الصدق. فالأمان يبدأ حين نكون صادقين في مشاعرنا، حتى وإن كانت مؤلمة أو حساسة.
ثالثًا: الحضور الحقيقي. أن تكون حاضرًا بالفعل، لا بجسدك فقط، وإنما بانتباهك واحتوائك للطرف الآخر.
العلاقات التي تقوم على الأمان ليست مثالية، لكنها إنسانية. تخطئ وتتصالح، تضعف وتقوى، لكنها دائمًا ما ترتكز على خيط من الطمأنينة: “أنا لست وحدي.” فالأمان لا يُصنع في لحظة، وإنما هو نتيجة لمواقف صغيرة ومتكررة تقول للطرف الآخر: “أنا هنا، ولن أتركك حين تحتاجني.”
وربما يكون ذلك، في جوهره، أصدق تعريف للحب الحقيقي.
