أحمد عبد العال بكرى
التبرير هو عبارة عن أعذار وأسباب تبدو للنظرة العابرة مقنعة ومنطقية ولكنها ليست الأسباب الحقيقية والدوافع الفعلية وراء السلوك وهي عبارة عن تبرير لسلوك الفرد ومعتقداته الذي يعتقد هو في قرارة نفسه أنه خاطئ.
ويختلف التبرير عن الكذب، بأن الأول وهو (التبرير) يكذب فيه الإنسان على نفسه، في حين يكون الثاني هو (الكذب) بأن يكذب الإنسان على الناس، وهذه الآلية الدفاعية تقدم أسباباً مقبولة اجتماعياً لما يصدر عن الإنسان من سلوك وهو يخفي وراءه حقيقة الذات.
من الوارد أن يرتكب الإنسان الخطأ في عمله وسلوكه، ذلك أمرٌ لا يكادُ يسلمُ منهُ أحد، إلّا من عصم الله، فقد يضعف الإنسان أمام أهوائه وشهواته، وقد يغفل عن خطورةِ نتائج الخطأ وتداعياته، أو يستهين بتلك النتائج.
يعلم أنه خطأ، ويعلم أنّ هذا الخطأ ستكون له تداعيات، لكنه يستهين بتلك النتائج والتداعيات، فيقدم على ارتكاب الخطأ لذلك ورد في الحديث عن رسول الله أنه قال: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ» .
وقد أودع الله في نفس الإنسان قوة رقابية، تنبهه إلى خطئه، وتحفّزه على التراجع عنه، وهي قوة الضمير والوجدان، التي عبّر عنها القرآن بالنفس اللوامة في قوله تعالى: ﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾.
إنها كأجراس الإنذار التي تكون في السيارة لعدم ربط الحزام مثلًا، أو كمؤشر زيادة السرعةو﴿اللَّوَّامَةِ﴾ تعنى كثيرة اللوم، تلوم الإنسان كلّما ارتكب خطأً، وتوبخه وتؤنبه على ارتكاب الذنب والمعصية، فهي قوة إلهية رقابية في داخل نفس الإنسان.
وإلى جانبها منح الله تعالى الإنسان عقلًا يفكر به، ويفرّق به بين الخير والشر، مما يقوّي مناعة الإنسان ضدّ الأهواء الدافعة للأخطاء والمعاصي والذنوب، هذه القوة الرقابية الداخلية تشكل مناعة للإنسان عن الاستمرار في الانحراف وطريق الخطأ.
فليس عيبا حينما يخطىء الإنسان أن يُقر، ويعترف بخطئه فحينما قتل سيدنا موسى عليه السلام المصرى، والذى جاء ذكره في القرآن الكريم { فوكزه موسى فقضى عليه} راجع موسى عليه السلام نفسه فقال { قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له } وكان هذا بمثابة إقرار من موسى عليه السلام بارتكاب الذنب، وهو قتل نفس بالخطأ فلم يبرر فعلته ، ولم يقل لحظة غضب، أو الشيطان غلبنى، أو كذا أو كذا بل عرف الخطأ ولم يبرره ، وكذلك أيضاً سيدنا آدم عليه السلام حينما أمره الله تعالى بألا يأكل من الشجرة هو ،وزوجته السيدة حواء عليها السلام لم يبررا الخطأ بأن قالا كان ضعفا منا أمام وسوسة الشيطان، وأننا بشرا أو كذا أو كذا بل قالا { ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} .
وأيضا ملكة سبأ حينما ذهبت إلى سيدنا سليمان عليه السلام لم تبرر عبادتها للشمس هى وقومها بل قالت { رب إنى ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين}.
لذلك يقول المولى عز وجل {بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره} فتقديم التبريرات من أجل إقرار الأخطاء أقبح من الخطأ نفسه ولذلك فرعون حينما جاء إليه موسى عليه السلام برسالة التوحيد بعد أن قال{ أنا ربكم الأعلى} جاء بالمبررات الواهيات مثل { أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى} وكذلك قوم لوط عليه السلام حينما أرادوا أن يبرروا فعلتهم بارتكاب الفاحشة قالوا { أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}.
والأمثلة كثيرة فى القرءان الكريم والسنة النبوية لا تعد ولا تحصى فهؤلاء الذين يعطون المبررات للمخطئين، ويساعدونهم على تبرير وإقرار الخطأ أريد أن أقول لهم لا تكونوا كالذين قالوا { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثرهم مقتدون}.
فالشخص الذى يبرر يريد طمس الحقيقة ويريد أن يبدل فى أعين الناس النور إلى ظلام والحق إلى باطل والباطل إلى حق وهو يريد شيئا واحدا فقط وهو إرضاء وإشباع ذاته ونفسه لإرضاء ملذاته وأهوائه الشخصية.
من الطبيعي أن يَصدر الخطأ من الإنسان، لكنّ المشكلة تكمن في تبرير الخطأ وشرعنته، فالتبرير أسوأ من الخطأ ذاته؛ لأنّ الإنسان إذا أخطأ وتنبّه إلى خطئه يتراجع عنه، لكنه إذا تربى على التبرير، فذلك أمر خطير، يجعله يكرر الخطأ ويستمر فيه.
#تابعونا_الجزء_التالى
#شرعنة_التبرير
#أسباب_التبرير
#علاج_التبرير
#أحمد_عبدالعال_بكرى
