بقلم: د/ بسمة خالد
ليست كل النهايات عادلة، ولا كل الوداعات كريمة. فبعضها يترك فينا وجعًا أكبر من الرحيل نفسه، لأن الطريقة التي نُغادر بها — أو نُغادَر بها — لا تُنسى بسهولة. في لحظات النهاية تتجلى الأخلاق، تنكشف النوايا، ويظهر الجوهر الحقيقي للناس.
في كثير من الأحيان، لا يُقاس جمال العلاقات بطولها، وإنما بطريقة انتهائها. فكم من علاقة قصيرة العمر، لكن بقي أثرها طيبًا لأنها انتهت بلطف واحترام، وكم من روابط دامت طويلًا لكنها انهارت بصخبٍ مؤذٍ، شوه كل ما كان جميلاً فيها.
وليس كل من يختار الرحيل يُحسن الوداع. فبعض الناس لا يكتفون بالمغادرة بهدوء، وإنما يُصرّون على ترك كلمات قاسية في أثرهم، كلمات لا تعكس الحقيقة بقدر ما تعكس فوضى بداخلهم. يؤذون، ويشوّهون، ويقطعون حبال الود الأخيرة بعبارات مُهينة، وكأنهم لا يريدون فقط أن ينهوا العلاقة، إنما يسعون لطمس كل ذكرى جميلة كانت فيها. هؤلاء لا يغادرون فقط، وإنما يغدرون أيضاً، غير مدركين أن الكلمة الجارحة في الختام قد تبقى في القلب طويلاً، تُوجع أكثر من الفقد ذاته.
في علم النفس، تُعتبر طريقة إنهاء العلاقة مؤشراً على النضج العاطفي. الشخص المتوازن لا يهرب من المشهد دون تفسير، ولا يُمعن في الأذى لمجرد أنه قرر الرحيل. وإنما يختار أن يغادر بلغة هادئة، تليق بما كان، وتُراعي مشاعر الآخر، حتى لو لم يَعُد هناك ما يُقال.
النهايات ليست فقط نهاية قصة، وإنما توقيع أخلاقي أخير على صفحة العلاقة. وهي أيضًا مساحة للتأمل: كيف تصرفنا؟ ماذا قلنا؟ وهل حافظنا على إنسانيتنا ونحن نطوي الصفحة؟ لأننا لا نُعرَف فقط ببداياتنا، وإنما كثيرًا ما نُحكَم علينا من طريقة رحيلنا.
ربما لا نملك دائماً الخيار في أن نبقى، لكننا نملك دومًا الخيار في كيف نغادر. بإمكاننا أن نترك خلفنا أثراً نبيلاً، أن نُبقي على قدر من الاحترام، أن نُغادر دون أن نحرق الجسور. فالأخلاق لا تُختبر وقت المحبة، وإنما حين نفترق.
وفي النهاية، لا أحد يتذكر كل الكلمات، لكن الجميع يتذكر كيف جعلته النهايات يشعر. فلنختر أن نكون ممن يُغادرون بلطف، ممن يضعون نقطة هادئة في آخر السطر، لا شرخًا جديدًا في القلب.
