القاهرية
العالم بين يديك

النرجسي وخرافة الظروف الصعبة!

19

د/ هدى عبد السميع موسى سعيد
كثيرًا ما يُقال إن الظروف القاسية والتجارب الصعبة تترك بصماتها على شخصية الإنسان…
وإن بعض الأفراد الذين يسلكون طريق الأذى قد يكونون ضحايا لبيئات غير سوية…

لكن، هل هذا يعني أن كل من نشأ في بيئة صعبة يصبح شخصًا سامًا؟!!
وهل يمكن أن تُبرَّر تصرفات النرجسيين بهذه الحجة؟

طبعًا لا.
لأن النرجسي ليس ضحية، بل شخص سام وباختياره…

النرجسي… يعلم ويختار…

الشخص النرجسي ليس جاهلًا بما هو صحيح أو خاطئ،
ولا يفتقر إلى القدرة على التصرف بأسلوب سويٍّ…

بل على العكس تمامًا،
يعرف كيف يكون شخصًا لطيفًا،
ساحرًا،
ومحبًا…
والدليل القاطع على ذلك هو سلوكه في بداية العلاقة،
وفي مرحلة الهوفرينج…

يقوم النرجسي بعرض أجمل نسخة مزيفة من نفسه،
فيغمر ضحيته بالاهتمام والوعود الكاذبة،
ويظهر بمظهر الشخص المثالي الذي يفهم،
يحترم،
ويقدر…

لكن، بمجرد أن يضمن السيطرة،
يسقط القناع ليكشف عن حقيقته التافهة المقززة…
لو كان النرجسي غير قادر على التصرف بشكل جيد،
لما استطاع التظاهر به في البداية…
هذا يثبت أنه لا يعاني من عجز نفسي يمنعه من السلوك الحسن،
بل هو يختار بوعي كامل أن يكون مؤذيًا…

إصرار متعمد على أفعاله وألاعيبه الغبية…

النرجسي ليس مجرد شخص يتصرف بدافع الغريزة أو دون وعي،
بل هو يخطط… في الخفاء،
ويصر على ألاعيبه بإرادة تامة…

هو لا يؤذي بدافع لحظي أو كرد فعل على موقف معين،
بل يعتبر سلوكه المقزز التافه وسيلة يستمتع بها،
يمارسها عمدًا،
ويجد فيها لذة مرضية…

هذا الإصرار الواعي على التلاعب،
الكذب،
التخطيط مع أصدقائه ضدك،
والتشاور معهم عن طريقة لمحاولة جعلك تشك في نفسك واستفزازك بالتلميح…

كل هذا وأكثر…

يكشف عن شخصية اختارت طريق الدناءة والتلاعب الغبي، ووجدت فيه راحتها النفسية…
كل قرار يتخذه النرجسي ليتلاعب بشخص آخر هو قرار مخطط له،
مدروس،
ومقصود،
وليس مجرد رد فعل على ماضيه أو بيئته…

لا تبرير… لا أعذار…

الماضي الصعب قد يفسر بعض جوانب الشخصية، لكنه لا يبرر اختيار الإضرار بالآخرين…
هناك كثيرون مروا بظروف قاسية،
لكنهم اختاروا التحلي بالقيم والأخلاق،
وبذلوا جهدًا ليكونوا أشخاصًا أفضل…

الفارق الجوهري بين النرجسي وهؤلاء هو الاختيار…
فبينما يسعى البعض لتجاوز آلامهم بطريقة بناءة،
يختار النرجسي تسخيرها لتبرير تلاعباته…

فالخلاصة هنا…

النرجسي ليس ضحية ماضيه، بل هو كائن هش قرر أن يجعل ماضيه ذريعة لأفعاله…
هو يعلم كيف يكون شخصًا جيدًا، لكنه يختار ألا يكون كذلك…
عامدًا،
متعمدًا،
يخطط…
لا يستحق الشفقة،
ولا الأعذار،
ولا المبررات…

لذلك، مئة بالمئة… هو مسؤول عن اختياره.

قد يعجبك ايضا
تعليقات