كتب / عادل النمر
في سبق صحفي هام، كشفت جريدة التليغراف البريطانية تفاصيل خطة ترمب لما يبدو أنه “استعباد” أوكرانيا بعد تقسيم المصالح والمنافع مع بوتين. تُعرف الخطة إعلاميًا باسم “صفقة المعادن” لكنها تتعدى مجرد ذلك بكثير، وإذا كنت تظن أن هذا ربما لا يهمك كثيرًا أدعوك إلى التفكير مرة أخرى.
أبرز ملامح الخطة:
– إنشاء صندوق باسم “الصندوق الأمريكي-الأوكراني لاستثمارات إعادة البناء” للسيطرة على المعادن النفيسة وغيرها من معادن وبترول وغاز وكل ما يوجد في باطن الأرض.
– يُسجل الصندوق في ديلاوير الأمريكية وإن كان يخضع لقوانين نيويورك، ويتكون مجلس إدارته من خمسة تعين الولايات المتحدة منهم ثلاثة.
– تنقسم أسهم الصندوق إلى فئتين: فئة A للطرف الأمريكي وفئة B للطرف الأوكراني.
– توزع الأرباح مناصفةً ولكن في البداية تكون الأرباح كلها من حق الولايات المتحدة إلى أن تسدد أوكرانيا ديونها العسكرية لواشنطن مضروبة في نسبة فائدة 4%.
– يحتفظ الطرف الأمريكي طول الوقت بحق الفيتو إذا حاول الطرف الأوكراني إشراك أي طرف آخر في أي من موارده أو مشاريعه.
– تسيطر الولايات المتحدة على جميع أوجه البنية التحتية المرتبطة بالموارد، بما في ذلك الطرق البرية والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب والموانئ ومعامل التكرير والإسالة وغيرها مما ينضوي تحت هذا التعريف.
– يحتفظ الطرف الأمريكي بأولوية الاختيار في أي مشروع للطرف الأوكراني إلا إذا قرر غير ذلك.
– يحق للطرف الأمريكي فسخ التعاقدات وإلغاء الصندوق ولا يحق للطرف الأوكراني القيام بذلك.
– لا يتضمن الاتفاق أي ضمانات عسكرية أو أمنية أمريكية ضد روسيا مما تطالب به أوكرانيا.
تقدم لنا ذاكرة التاريخ أمثلة كثيرة على هذا النوع من “الاتفاقات” الإملائية المجحفة التي كانت لها دائمًا آثار بعضها كارثي، ليس على الطرف “المستعبَد” وحسب، بل أيضًا لاحقًا على الطرف “المستعبِد” وعلى بقية العالم. من أبرز هذه الأمثلة “معاهدة نانكنغ” التي فرضها البريطانيون على الصينيين عام 1842 التي كان دافعها عجز الميزان التجاري لبريطانيا أمام شعب منتج، وهو الدافع نفسه الذي يقود ترمب الآن في حملته المسعورة التي تضرب في كل اتجاه. التهم البريطانيون في سياق هذه المعاهدة هونغ كونغ ومزايا تجارية فاخرة وتعويضات مادية ضخمة في ما تحفظه الذاكرة الصينية تحت اسم “قرن الذل” الذي حمل في تربته بذور المارد الصيني كما نعرفه اليوم.
المثال الآخر البارز طبعًا هو “معاهدة فرساي” عام 1919 التي فرضتها القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى على ألمانيا واقتطعت من أراضيها وألزمتها بتعويضات خرافية وحولت اقتصادها كله وشعبها إلى خادم حتى وصل سعر الجنيه الإسترليني الواحد في البنوك إلى أكثر من 16,000,000,000 مارك ألماني (نعم، أكثر من 16 مليار)، ولو كان لديك وقت ستحصل على 20 مليار مارك مقابل الجنيه الواحد في السوق السوداء. من بين أسباب أخرى، أنتج هذا هتلر الذي أنتج النازية التي أنتجت الحرب العالمية الثانية التي أنتجت النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الذي يتفنن ترمب وعصابته الآن في تمزيقه والعودة بالعالم مرةً أخرى إلى لحظة انفجار.